مجموعة من شعر الشيخ رجب البرسي
مجموعة من شعر الشيخ رجب البرسي نثبت في هذا الباب ما وقفنا عليه من شعر صاحب المشارق الحافظ الشيخ رجب البرسي الحلي، جمعناه من بعض المصادر التاريخية التي تناولت ترجمته، مع العلم بأن للبرسي ديوانا كان متداولا في عصره حتى زمن قريب، ومن المحقق أن عدة نسخ موجودة منه في كثير من المكتبات الخاصة، ولكننا لم نعثر على نسخة واحدة منها.
وهذا القدر الذي جمعناه من شعر البرسي كاف للتعريف بأدبه، والوقوف على أفكاره، والعلم بنوع معتقداته لمن يطلب ذلك.
ومن الملاحظ بأن جميع شعر البرسي خاص بأئمة أهل البيت عليهم السلام، بين رثاء ومديح، بل لم نقف على غير هذين البابين من أدبه.
وهذا يدل على مبلغ ولائه لأئمته وتمسكه بهم ونفوذ حبهم في أعماق قلبه وعقله.
قال الشيخ رجب البرسي يمدح الإمام عليا ويذكر محبيه ومبغضيه (1):
أبديت يا رجب العجيب * فقيل: يا رجب المرجب
أبديت للسر المصون * المضمر الخافي المغيب
وكشفت أستارا وأسرارا * عن الأشرار تحجب
حل الورى فإذا الظواهر * فضة والبطن أسرب
إلا قليلا من رجال * أصلهم ذاك مهذب
وكتبت ما بالنور منه * على خدود الحور يكتب
فلذاك أضحى الناس قلبا * من قوى الجهل المركب
رجل يحب ومبغض * قال وحزب الله أغلب
وطويل أنف إن رآني * مقبلا ولى وقطب
في أمه شك بلا * شك ولو صدقت لأنجب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1) شعراء الحلة: 2 / 371، والغدير: 7 / 41 - 42.
يزور إن سمع الحديث * إلى أمير النحل ينسب
وتراه إن كررت ذكر * فضائل الغرار يغضب
وقال في قصيدة طويلة يمدح آل النبي صلى الله عليه وآله ويذكر مصرع الحسين عليه السلام وما حفت به من المشاهد المفجعة والصور المؤلمة (1):
دمع يبدده مقيم نازح * ودم يبدده مقيم نازح
والعين إن أمست بدمع فجرت * فجرت ينابيع هناك موانح
أظهرت مكنون الشجون فكلما * شبح الأمون سجا الحرون الجامح
وعلي قد جعل الأسى تجديده * وقفا يضاف إلى الرهيب الفارح
وشهود ذلي مع غريم صبابتي * كتبوا غرامي والسقام الشارح
أوهى اصطباري مطلق ومقيد * غرب وقلب بالكآبة بائح
فالجفن منسجم غريق سابح * والقلب مضطرم حريق قادح
والخد خدده طليق فاتر * والوجد جدده مجد مازح
أصبحت تحفظني الهموم بنصبها * والجسم معتقل مثال لائح
حلت له حلل النحول فبرده * برد الذبول تحل فيه صفائح
وخطيب وجدي فوق منبر وحشتي * لفراقهم لهو البليغ الفاصح
ومحرم حزني وشوال العنا * والعيد عندي لاعج ونوائح
ومديد صبري في بسيط تفكري * هزج ودمعي وافر ومسارح
ساروا فمعناهم ومغناهم عفا * واليوم فيه نوائح وصوائح
درس الجديد جديدها فتنكرت * ورنا بها للخطب طرف طامح
نسج البلى منه محقق حسنه * ففناؤه ماحي الرسوم الماسح
فطفقت أندبه رهين صبابة * عدم الرفيق وغاب عنه الناصح
وأقول والزفرات تذكي جذوة * بين الضلوع لها لهيب لافح
لا غرو إن غدر الزمان بأهله * وجفا وحان وخان طرف لامح
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1) شعراء الحلة: 2 / 382 - 736 والغدير: 7 / 57 - 62.
فلقد غوى في ظلم آل محمد * وعوى عليهم منه كلب نابح
وسطا على البازي غراب أسحم * وشنا على الأشبال زنج ضايح
وتطاول الكلب العقور فصاول * الليث الهصور وذاك أمر فادح
وتواثبت عرج الضباع وروعت * والسيد أضحى للأسود يكافح
آل النبي بنو الوصي ومنبع * الشرف العلي وللعلوم مفاتح
خزان علم الله مهبط وحيه * وبحار علم والأنام ضحاضح
التائبون العابدون الحامدون * الذاكرون وجنح ليل جانح
الصائمون القائمون المطعمون * المؤثرون لهم يد ومنائح
عند الجدا سحب وفي وقد الهدى * سمت وفي يوم النزال جحاجح
هم قبلة للحاجين وكعبة * للطائفين ومشعر وبطائح
طرق الهدى سفن النجاة محبهم * ميزانه يوم القيامة راجح
ما تبلغ الشعراء منهم في الثنا * والله في السبع المثاني مادح
نسب كمنبلج الصباح ومنتمي * زاك له يعنو السماح الرامح
الجد خير المرسلين محمد * الهادي الأمين الفاتح هو خاتم
بل فاتح بل حاكم * بل شاهد بل شافع بل صافح
هو أول الأنوار بل هو صفوة * الجبار والنشر الأريج الفائح
هو سيد الكونين بل هو أشرف * ابثقلين حقا والنذير الناصح
لولاك ما خلق الزمان ولا بدت * للعالمين مساجد ومصابح
والأم فاطمة البتول وبضعة * الهادي الرسول لها المهيمن مانح
حورية أنسية، لجلالها * وجمالها الوحي المنزل شارح
والوالد الطهر الوصي المرتضى * علم الهداية والمنار الواضح
مولى له بغدير خم بيعة * خضعت له الأعناق وهي طوامح
القسور البتاك والفتاك * والسفاك في يوم العراك الذابح
أسد الإله وسيفه ووليه * وشقيق أحمد والوصي الناصح
وبعضده وبغضبه وبعزمه * حقا على الكفار ناح النائح
يا ناصر الإسلام يا باب الهدى * يا كاسر الأصنام فهي طوائح
يا ليت عينك والحسين بكربلا * بين الطغاة عن الحريم يكافح
والعاديات صواهل وجوائل * بالشوس في بحر النجيع سوابح
والبيض والسمر اللدان بوارق * وطوارق ولوامع ولوائح
يلقى الردى بحر الندى بين العدى * حتى غدا ملقى وليس منافح
أفديه محزوز الوريد مر ملا * ملقى عليه الترب ساف سافح
والماء ظام وهو ظام بالعرا * فرد غريب مستظام نازح
والطاهرات حواسر وثواكل * بين العدا ونوادب ونوائح
في الطف يسحبن الذيول بذلة * والدهر سهم الدهر رام رامح
يسترن بالأردان نور محاسن * صونا وللأعداء طرف طامح
لهفي لزينب وهي تندب ندبها * في ندبها والدمع سار سارح
تدعو: أخي يا واحدي ومؤملي * من لي إذا ما ناب دهر كالح
من لليتامى راحم؟ من للأيامى * كافل؟ من للجفاة مفاصح؟
حزني لفاطم تلطم الخدين من * عظم المصاب لها جوى وتبارح
أجفانها مقروحة ودموعها * مسفوحة والصبر منها جامح
تهوى لتقبيل القتيل تضمه * بفتيل معجرها الدماء نواضح
تحنو على النحر الخضيب وتلثم * الثغر التريب لها فؤاد قادح
أسفي على حرم النبوة جئن * مطروحا هنالك بالعتاب تطارح
يندبن بدرا غاب في فلك الثرى * وهزبر غاب غيبته ضرائح
هذا أخي تدعو وهذا يا أبي * تشكو وليس لها ولي ناصح
والطهر مشغول بكرب الموت من * رد الجواب وللمنية شابح
ولفاطم الصغرى نحيب مقرح * يذكي الجوانح للجوارح جارح
علج يعالجها لسلب حليها * فتطل في جهد العفاف تطارح
بالردن تستر وجهها وتمانع * الملعون عن نهب الردى وتكافح
تستصرخ المولى الإمام وجدها * وفؤادها بعد المسرة نازح
يا جد قد بلغ العدى ما أملوا * فينا وسهم الجور سار سارح
يا فاطم الزهراء قومي وانظري * وجه الحسين له الصعيد مصافح
أكفانه نسج الغبار وغسله * بدم الوريد ولم تنحه نوائح
وشبوله نهب السيوف تزورها * بين الطفوف فواعل وجوارح
وعلى السنان سنان رافع رأسه * ولجسمه خيل العداة روامح
والوحش يندب وحشة لفراقه * والجن إن جن الظلام نوائح
والأرض ترجف والسماء لأجله * تبكي معا والطير غاد رائح
والدهر من عظم الشجى شق الردى * أسفا عليه وفاض جفن دالح
يا للرجال لظلم آل محمد * ولأجل ثأرهم وأين الكادح؟
يضحى الحسين بكربلاء مرملا * عريان تكسوه التراب صحاصح
وعياله فيها حيارى حسر * للذل في أشخاصهن ملامح
يسرى بهم أسرى إلى شر الورى * من فوق أقتاب الجمال مضابح
ويقاد زين العابدين مغللا * بالقيد لم يشفق عليه مسامح
ما يكشف الغمام إلا نفحة * يحيي بها الموتى نسيم نافح
نبوية علوية مهدية * يشفى برباها العليل البارح
يضحى مناديها ينادي يا * لثارات الحسين وذاك يوم فارح
والجن والأملاك حول لوائه * والرعب يقدم والحتوف تناوح
يا بن النبي صبابتي لا تنقضي * كمدا وحزني في الجوانح جانح
أبكيكم بمدامع تترى إذا * بخل السحاب لها انصباب سافح
فاستجل من مولاك عبد ولاك مر * لولاك ما جادت عليه قرائح
(برسية) كملت عقود نظامها * (حلية) ولها البديع وشائح
مدت إليك يدا وأنت منيلها * يا بن النبي وعن خطاها صافح
يرجو بها (رجب) القبول إذا أتى * وهو الذي بك واثق لك مادح
أنت المعاد لدى المعاد وأنت لي * إن ضاق بي رحب البلاد الفاسح
صلى عليك الله ما سكب الحيا * دمعا وما هب النسيم الفائح
وقال من قصيدة في مدح الإمام عليه السلام (1):
مولى له بغدير خم بيعة * خضعت لها الأعناق وهي طوائح
وقال يمدح عليا ويذكر فضائله وذلك حين طاف حول قبره الشريف (2):
هو الشمس أم نور الضريح يلوح؟ * هو المسك أم طيب [ الوصي ] ينوح؟ (3)
وبحر ندى أم روضة حوت الهدى؟ * وآدم أم سر المهيمن نوح؟
وداود هذا أم سليمان بعده؟ * وهارون أم موسى العصا ومسيح؟
وأحمد هذا المصطفى أم وصيه * علي؟ نماه هاشم وذبيح
محيط سماء المجد بدر دجنة * وفلك جمال للأنام يلوح
حبيب حبيب الله بل سر سره * وعين الورى أم للخلائق روح
له النص في (يوم الغدير) ومدحه * من الله في الذكر المبين صريح
إمام إذا ما المرء جاء يحبه * فميزانه يوم المعاد رجيح
له شيعة مثل النجوم زواهر * لها بين كل العالمين وضوح
إذا قاولت، فالحق فيما تقوله * به النور باد واللسان فصيح
وإن جاولت أو جادلت عن مرامها * ترى خصمها في الأرض وهو طريح
عليك سلام الله يا راية الهدى * سلام سليم يغتدي ويروح
وقال في مدح الإمام عليه السلام وبيان مناقبه (4):
تعالى علي في الجلال فرائد * يعود وفي كفيه منه فرائد
ووارد فضل منه يصدر عزلها * تضيق بها منه اللها والأوارد
تبارك موصولا وبورك واصلا * له صلة في كل نفس وعائد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1) شعراء الحلة: 2 / 376.
( 2) شعراء الحلة: 2 / 376، والمنتخب: 131، وقال الطريحي في التقدمة لها (ولله د ر بعض من قال من الرجال في مدح علي حين طاف حول قبره)، وأعيان الشيعة: 6 / 468، والغدير: 7 / 33.
( 3) في أعيان الشيعة: أم طيب الوصي يفوح.
( 4) شعراء الحلة: 2 / 276 - 377، والغدير: 417، وأعيان الشيعة: 6 / 468.
يشير الشاعر في هذه الأبيات إلى معنى من قال في حق الإمام علي: ما أقول في رجل أخفت أولياؤه فضائله خوفا وأخفت أعداؤه فضائله حسدا، وشاع من بين ذين ما ملأ الخافقين. البابليات: 1 / 121.
روى فضله الحساد من عظم شأنه * وأعظم فضل جاء يرويه حاسد
محبوه أخفوا فضله خيفة العدى * وأخفاه بغضا حاسد ومعاند
فشاع له ما بين ذين مناقب * تجل بأن تحصى إذا عد قاصد
إمام له في جبهة المجد أنجم * علت فعلت أن يدن منهم راصد
لها الفرق من فرع السماك منابر * وفي عنق الجوزاء منها قلائد
مناقب إذ جلت جلت كل كربة * وطابت فطابت من شذاها المشاهد
إمام يحار الفكر فيه معاند * له ومقر بالولاء وجاحد
إمام مبين كل أكرومة حوى * بمدحته التنزيل، والذكر شاهد
عليه سلام الله ما ذكر اسمه * محب، وفي (البرسي) ذلك خالد
وقال في قصيدة طويلة تبلغ 156 بيتا يمدح فيها آل البيت ويعدد فضائلهم ويرثي الإمام الحسين وهي من رائع شعره بل من رائع الشعر العربي ورائقه في المديح (1):
يمينا بها حادي السري إن بدت نجد * يمينا، فللعاني العليل بها نجد
وعج، فعسى من لاعج الشوق يشفني * غريم غرام حشو أحشائه وقد
وسربي لسرب فيه سرب جآذر * أسربي من جهد العهاد بهم عهد
وسربي بليل في بليل عراصها * لأروي بريا تربة تربها ند
وقف بي أنادي وادي الأيك علني * هناك أرى ذاك المساعد يا سعد
فبالربع لي من عهد جيرون جيرة * يجيرون إن جار الزمان إذا استعدوا
هم الأهل إلا أنهم لي أهلة * سوى أنهم قصدي وإني لهم عبد
عزيزون ربع العمر في ربع عزهم * تقضى ولا روع عراني ولا جهد
وربعي مخضر وعيشي مخضل * ووجهي مبيض وفودي مسود
وشملي مشمول وبرد شبيبتي * قشيب وبرد العيش ما شأنه نكد
معالم كالأعلام معلمة الربى * فأنهارها تجري وأطيارها تشدو
طوت حادث الدهر منشور حسنها * كما رسمت في رسمها شمأل تغدو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1) شعراء الحلة: 2 / 377 - 384، والغدير: 7 / 49 - 57
وأضحت تجر الحادثات ذيولها * عليها ولا دعد هناك ولا هند
ولا غرو إن جارت ومارت صروفها * وغارت وأغرت واعتدت وغدت تشدو
فقد غدرت قدما بآل محمد * وطاف عليهم بالطفوف لها جند
وجاشت بجيش جاش طام عرمرم * خميس لهام حام يحمومه أسد
وعمت بأشرار عن الرشد عموا * وهل يسمع الصم الدعاء إذا صدوا
فيا أمة قد أدبرت حين أقبلت * فرافقها نحس وفارقها سعد
أبت إذ أتت تنأى وتنهى عن النهى * وولت وألوت حين مال بها الجد
سرت وسرت بغيا وسرت بغيها * بغا دعاها إذا عداها به الرشد
عصابة عصب أوسعت إذ سعت إلى * خطاء خطاها والشقاء به يحدو
أثاروا وثاروا ثار بدر وبدروا * لحرب بدور من سناها لهم رشد
بغت فبغت عمدا قتال عميدها * ضغون طفاة في الصدور لها حقد
وساروا يسنون العناد وقد نسوا * المعاد فهم من قوم عاد إذا عدوا
فيا قلب الذين في يوم أقبلوا * إلى قتل مأمول هو العلم الفرد
فركن الهدى هدوا وقد العلى قدوا * وأزر الهوى شدوا ونهج التقى سدوا
كأني بمولاي الحسين ورهطه * حيارى ولا عون هناك ولا عقد
بكرب البلا في كربلاء وقد رمى * بعاد وشطت دارهم وسطت جند
وقد حدقت عين الردى حين أصبحوا * عتاة عداة ليس يحصى لهم عد
وقد أصبحوا حلا لهم حين أصبحوا * حلولا ولا حل لديهم ولا عقد
فنادى ونادى الموت بالخطب خاطب * وطير الفنا يشدو وحاد الردى يحدو
يسائلهم: هل تعرفوني؟ مسائلا * وسائل دمع العين سال به الخد
فقالوا: نعم أنت الحسين ابن فاطم * وجدك خير المرسلين إذا عدوا
وأنت سليل المجد كهلا ويافعا * إليك، إذا عد العلى ينتهي المجد
فقال لهم: إذ تعلمون، فما الذي * دعاكم إلى قتلي، فما عن دمي بد
فقالوا: إذا رمت النجاة من الردى * فبايع يزيدا.. إن ذاك هو القصد
وإلا فهذا الموت عب عبابه * فخض ظاميا فيه تروح ولا تعدو
فقال: ألا بعدا بما جئتم به * ومن دونه بيض وخطية ملد
فضرب لهشم الهام تترى بنظمه * فمن عقده حل وفي حله عقد
فهل سيد قد شيد الفخر بيته * جذار الودي يشقى لعبد له عبد
وما عذر ليث يرهب الموت بأسه * يذل ويضحى السيد يرهبه الأسد
إذا سام منا الدهر يوما مذلة * فهيهات يأتي ربنا وله الحمد
وتأبى نفوس طاهرات وسادة * مواضيهم هام الكماة لها غمد
لها الدم ورد والنفوس قنائص * لها القدم قدم والنفوس لها جند
ليوث وغى ظل الرماح مقيلها * مغاوير طعم الموت عندهم شهد
حماة عن الأشبال يوم كريهة * بدور دجى سادوا الكهول وهم مرد
إذا افتخروا في الناس عز نظيرهم * ملوك على أعتابهم يسجد المجد
أيادي عطاهم لا تطاول في الندى * وأيدي علاهم لا يطاق لها رد
مطاعيم للعافي مطاعين في الوغى * مطاعين إن قالوا لهم حجج لد
مفاتيح للداعي مصابيح للهدى * معاليم للساري بها يهتدي النجد
نزيلهم حرم منازلهم لقى * منازلهم أمن بهم يبلغ القصد
فضائلهم جاءت، فواضلهم جلت، * مدائحهم شهد منائحهم لد
كرام إذا عاف عفى منه معهد وضوح من خضرائه السبط والجعد
وآملهم راج وأم لهم رجا * وحل بناديهم أحل له الرفد
زكوا في الورى أما وجدا ووالدا * وطابوا فطاب الأم والأب والجد
بأسمائهم يستجلب البر والرضى * بذكرهم يستدفع الضر والجهد
ومال إلى فتيانه، ورجاؤه * يقول: لقد طاب الممات ألا اشتدوا
فسار لأخذ الثأر كل شمردل * إذا هاج قدح للهياج له زند
وكل كمي أريحي غشمشم * تجمع فيه الفضل وانعدم الضد
إذا ما غدا يوم الندى أسر العدى * ولما بدا يوم الندى أطلق الوعد
ليوث نزال بل غيوث نوازل * سراة كأسد الغاب لا بل هم الأسد
إذا طلبوا راموا، وإن طلبوا رموا * وإن ضربوا صدوا وإن ضربوا قدوا
فوارس أسد الغيل منها فرائس * وفتيان صدق شأنها الطعن والطرد
وجوههم بيض، وخضر ربوعهم * وبيضهم حمر إذا النقع مسرد
إذا ما دعوا يوما لدفع ملمة * غدا الموت طوعا والقضاء هو العبد
بها كل ندب يسبق الطرف طرفه * جواد على ظهر الجواد له أفد
كأنهم نبت الربى في سروجهم * لشدة حزم لا بحزم لها شدوا
لباسهم نسجوا الحديد إذا بدوا * جبالا وأقيالا تقلهم الجرد
إذا لبسوا فوق الدروع قلوبهم * وصالوا فحر الكر عندهم برد
يخوضون تيار الحمام ظواميا * وبحر المنايا بالحنايا لها مد
يرون المنايا نيلها غاية المنى * إذا استشهدوا: أمر الردى عندهم شهد
إذا قللت أسيافهم في كريهة * غدا في رؤوس الدارعين لها حد
فمن أبيض يلقى الأعادي بأبيض * ومن أسمر في كفه أسمر صلد
يذبون عن سبط النبي محمد * وقد ثار عالي النقع واصطحب الوقد
يخال بريق البيض برقا سجاله * الدماء وأصوات الكماة لها رعد
إلى أن تدانى العمر واقترب الردى * وشأن الليالي لا يدوم لها عهد
أعدوا نفوسا للفناء وما اعتدوا * فطوبى لهم نالوا البقاء بما عدوا
أحلوا جسوما للمواضي وأحرموا * فحلوا جنان الخلد فيها لهم خلد
أمام الإمام السبط جادوا بأنفس * بها دونه جادوا وفي نصره جدوا
شروا عندما باعوا نفوسا نفائسا * على هجرها وصل وفي وصلها فقد
قضوا إذ قضوا حق الحسين وفارقوا * وما فرقوا بل وافقوا السعد
يا سعد فلما رأى المولى الحسين رجاله * وفتيانه صرعى وشادي الردى يشدوا
غدا طالبا للموت كالليث مغضبا * يحامي عن الأشبال يشتد إن شدوا
وإن جمعوا سبعين ألفا لقتله * فيحمل فيهم وهو بينهم فرد
إذا كر فروا من جريح وواقع * ذبيح ومهزوم به طوح الهد
ينادي: ألا يا عصبة عصت الهدى * وخانت فلم ترع الذمام ولا العهد
فبعدا لكم يا شيعة الغدر إنكم * كفرتم، فلا قلب يلين ولا ود
ولايتنا فرض على كل مسلم * وعصياننا كفر وطاعتنا رشد
فهل خائف يرجو النجاة بنصرنا * ويخشى إذا اشتدت سعير لها وقد
ويرنو لنحو الماء يشتاق ورده * إذا ما مضى يبغي الورود له ردوا
فيحمل فيهم حملة علوية * بها العوالي في أعالي العدى قصد
كفعل أبيه حيدر يوم خيبر * كذلك في بدر، ومن بعدها أحد
إذا ما هوى في لبة الليث عضبه * فمن نحره بحر، ومن جزره مد
وعاد إلى أطفاله وعياله * وغرب المنايا لا يقل لها حد
يقول: عليكن السلام مودعا * فما قد تناهى العمر واقترب الوعد
ألا فاسمعي يا أخت إن مسني الردى * فلا تلطمي وجها ولا يخمش الخد
وإن برحت فيك الخطوب بمصرعي * وجل لديك الحزن والثكل والفقد
فإرضي بما يرضى إلهك واصبري * فما ضاع أجر الصابرين ولا الوعد
وأوصيك بالسجاد خيرا فإنه * إمام الهدى بعدي له الأمر والعهد
فضج عيال المصطفى، وتعلقوا * به، واستغاث الأهل بالندب
والولد فقال - وكرب الموت يعلو كأنه * ركام ومن عظم الظما انقطع الجهد -:
ألا قد دنا الترحال فالله حسبكم * وخير حسيب للورى الصمد الفرد
وعاد إلى حرب الطغاة مجاهدا * والبيض والخرصان في قده قد
إلى أن غدا ملقى على الترب عاريا * يصافح منه إذ ثوى للثرى خد
وشمر شمر الذيل في حز رأسه * ألا قطعت منه الأنامل والزند
فواحزن قلبي للكريم علا على * سنان سنان، والخيول لها وخد
تزلزلت السبع الطباق لفقده * وكادت له شم الشماريخ تنهد
وأرجف عرش الله من ذاك خيفة * وضجت له الأملاك وانفجر الصلد
وناحت عليه الطير والوحش وحشة * وللجن - إذ جن الظلام - به وجد
وشمس الضحى أمست عليه عليلة * علاها اصفرار إذ تروح وإذ تغدو
فيا لك مقتولا بكته السما دما * وثل سرير العز، وانهدم المجد
شهيدا غريبا نازح الدار ظاميا * ذبيحا ومن قاني الوريد له ورد
بروحي قتيلا غسله من دمائه * سليبا ومن سافي الرياح له برد
ترض خيول الشرك بالحقد صدره * وترضخ منه الجسم في ركضها جرد
ومذ راح لما راح للأهل مهره * خليا يخد الأرض بالوجه إذ يعدو
برزن حيارى نادبات بذلة * وقلب غدا من فارط الحزن ينقد
فحاسرة بالردن تستر وجهها * وبرقعها وقد، ومدمعها رفد
ومن ذاهل لم تدر أين مفرها * تضيق عليها الأرض والطرق تنسد
وزينب حسرى تندب الندب عندها * من الحزن أوصاب يضيق بها العد
تنادي: أخي يا واحدي وذخيرتي * وعوني وغوثي والمؤمل والقصد
ربيع اليتامى، يا حسين، وكافل * الأيامى زمانا، بعد بعدكم، البعد
أخي بعد ذاك الصون والخدر والخبا * يعالجنا علج، ويسلبنا وغد
بناتك - يا بن الطهر طه - حواسر * ورحلك منهوب تقاسمه الجند
لقد خابت الآمال، وانقطع الرجا * بموتك مات العلم والدين والزهد
وأضحت ثغور الكفر تبسم فرحة * وعين العلى ينخد من سحها الخد
وصوح نبت الفضل بعد اخضراره * وأصبح بدر التم قد ضمه اللحد
تجاذبنا أيدي العدى فضلة الردى * كأن لم يكن لنا خير الأنام لنا جد
فأين حصوني والأسود الألى بهم * يصال على ريب الزمان إذا يعدو؟
إذا غربت - يا بن النبي - بدوركم * فلا طلعت شمس، ولا حلها سعد
ولا سحبت سحب ذيولا على الربى * ولا ضحك النوار وانبعق الرعد
وساروا بآل المصطفى وعياله * حيارى ولم يخش الوعيد ولا الوعد
وتطوي المطايا الأرض سيرا إذا * سرت تجوب بعيد البيد فيها لها وخد
تؤم يزيدا نجل هند أمامها * ألا لعنت هند وما نجلت هند
فيا لك من رزء عظيم مصابه * يشق الحشى منه ويلتدم الخد
أيقتل ضمآنا حسين بكربلا * ومن نحره البيض الصقال لها ورد؟
وتضحى كريمات الحسين حواسرا * يلاحظها في سيرها الحر والعبد
فليس لأخذ الثأر إلا خليفة * هو الخلف المأمول والعلم الفرد
هو القائم المهدي والسيد الذي * إذا سار أملاك السماء له جند
يشيد ركن الدين عند ظهوره * علوا، وركن الشرك والكفر ينهد
وغصن الهدى يضحى وريقا ونبته * أنيقا وداعي الحق ليس له ضد
لعل العيون الرمد تحظى بنظرة * إليه فتجلى عندها الأعين الرمد
إليك انتهى سر النبيين كلهم * وأنت ختام الأوصياء إذا عدوا
بني الوحي يا أم الكتاب ومن لهم * مناقب لا تحصى وإن كثر العد
إليكم عروسا زفها الحزن ثاكلا * تنوح إذ الصب الحزين بها يشدو
لها عبرة في عشر عاشور أرسلت * إذا أنشدت حادي بها الدمع
يحدو رجا (رجب) رحب المقام بها غدا * إذا ما أتى والحشر ضاق به الحشد
بذلت اجتهادي في مديحكم وما * مقام مديحي بعد أن مدح الحمد
ولي فيكم نظم ونثر غناؤه * فقير، وهذا جهد من لا له جهد
مصابي وصوب الدمع فيكم مجدد * وصبري وسلواني به أخلق الجهد
تذكرني - يا بن النبي - غدا إذا) غدا كل مولى يستجير به العبد
فأنتم نصيب المادحين، وإنني * مدحت وفيكم في غد ينجز الوعد
إذا أصبح الراجي نزيل ربوعكم * فقد نجحت منه المطالب والقصد
فإن مال عنكم - يا بني الفضل - راغب * يضل ويضحى عند من لا له عند
فيا عدتي في شدتي يوم بعثتي * بكم غلتي من علبي حرها برد
وعبدكم (البرسي) مولى فخاركم * كفاه فخارا أنه لكم عبد
عليكم سلام الله ما سكب الحيا * دموعا على روض وفاح لها ند
وقال في الحب العرفاني (1):
لقد شاع عني حب ليلى وإنني * كلفت بها عشقا وهمت بها وجدا
وأصبحت أدعى سيدا بين قومها * كما أنني أصبحت فيهم لها عبدا
ألا في الورى حبها في تنكر * فذا مانح صدا وذا صاعر خدا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1) شعراء الحلة: 2 / 384، والغدير: 7 / 67
وذا عابس وجها يطول أنفه * علي كأني قد قتلت له ولدا
ولا ذنب لي في هجرهم لي وهجوهم * سوى أنني أصبحت في حبها فردا
ولو عرفوا ما قد عرفت، ويمموا * حماها كما يممته، أعذروا حدا
وظنوا - وبعض الظن إثم - وشنعوا * بأن امتداحي جاوز الحد والعدا
فوالله ما وصفي لها جاز حده * ولكنها في الحسن قد جاوزت حدا
وقال في حبه لعلي عليه السلام ويذكر اختلاف الناس في شخص الإمام (1):
يا آية الله، بل يا فتنة البشر * وحجة الله، بل يا منتهى القدر
يا من إليه إشارات العقول، ومن * فيه الألباء تحت العجز والخطر
هيمت أفكاري الأفكار حين رأوا * آيات شأنك في الأيام والعصر
يا أولا آخرا نورا ومعرفة * يا ظاهر باطنا في العين والأثر
لك العبارة بالنطق البليغ، كما * لك الإشارة في الآيات والسور
كم خاض فيك أناس وانتهى فغدا * معناك محتجبا عن كل مقتدر
أنت الدليل لمن حارت بصيرته * في طي مشتبكات القول والعبر
أنت السفينة من صدق تمسكها * نجا ومن حاد عنها خاض في الشرر
فليس قبلك للأفكار ملتمس * وليس بعدك تحقيق لمعتبر
تفرق الناس إلا فيك وائتلفوا * فالبعض في جنة، والبعض في سقر
فالناس فيك ثلاث: فرقة رفعت * وفرقة وقعت بالجهل والقدر
وفرقة وقعت، لا النور يرفعها * ولا بصائرها فيها بذي غور
تصالح الناس إلا فيك واختلفوا * إلا عليك، وهذا موضع الخطر
وكم أشاروا وكم أبدوا وكم ستروا * والحق يظهر من باد ومستتر
أسماؤك الغر مثل النيرات، كما * صفاتك السبع كالأفلاك في الأكر (2)
وولدك الغر كالأبراج في فلك * المعنى وأنت مثال الشمس والقمر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1) شعراء الحلة: 2 / 384 - 385 والغدير: 7 / 42 - 44 وقد خمسها ابن السبعي.
( 2) الأئمة هم مواقع أسماء الله أو صفاته، وأنهم - كما في الحديث - ألقى في هويتهم مثاله وإرادتهم مصادر أفعاله.
قوم هم الآل - آل الله - من علقت * بهم يداه نجا من زلة الخطر
شطر الأمانة معراج النجاة إلى * أوج العلو وكم في الشطر من غير
يا سر كل نبي جاء مشتهرا * وسر كل نبي غير مشتهر
أجل وصفك عن قدر لمشتبه * وأنت في العين مثل العين في الصور
وقال يمدح أهل البيت عليهم السلام (1):
هم القوم آثار النبوة فيهم * تلوح، وأنوار الإمامة تلمع
مهابط وحي الله خزان علمه * وعندهم سر المهيمن مودع
إذا جلسوا للحكم فالكل أبكم * وإن نطقوا، فالدهر إذن ومسمع
وإن ذكروا فالكون ند ومندل * له أرج من طيبهم يتضوع
وإن بارزوا * ........................
وقال يمدح النبي الكريم صلى الله عليه وآله (2):
أضاء بك الأفق المشرق * ودان لمنطقك المنطق
وكنت، ولا آدم كائنا * لأنك من كونه أسبق
ولولاك لم تخلق الكائنات * ولا بان غرب ولا مشرق
فميمك مفتاح كل الوجود * وميمك بالمنتهى يغلق
تجليت - يا خاتم المرسلين - * بشأو من الفضل لا يلحق
فأنت لنا أول آخر * وباطن ظاهرك الأسبق
تعاليت عن صفة المادحين * وإن أطنبوا فيك أو أغمقوا
فمعناك حول الورى دارة * على غيب أسرارها تحدق
وروحك من ملكوت السما * تنزل بالأمر ما يخلق
ونشرك يسري على الكائنات * فكل على قدره يعبق
إليك قلوب جميع الأنام * تحن وأعناقها تعبق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1) البابليات: 1 / 122 وقد خمس هذه القصيدة الشاعران الأخوان الشيخ محمد رضا والشيخ هادي ولدا الشيخ أحمد النحوي.
( 2) شعراء الحلة: 2 / 385 - 386، والغدير: 7 / 38 - 40 والبابليات: 1 / 119.
وفيض أياديك في العالمين * بأنهار أسرارها يدفق
وآثار أياديك في العالمين * على جبهات الورى تشرق
فموسى الكليم وتوراته * يدلان عنك إذا استنطقوا
وعيسى وإنجيله بشرا * بأنك (أحمد) من يخلق
فيا رحمة الله في العالمين * ومن كان لولاه لم يخلقوا
لأنك وجه الجلال المنير * ووجه الجمال الذي يشرق
وأنت الأمين وأنت الأمان * وأنت ترتق ما يفتق
أتى (رجب) لك في عاتق * تقيل الذنوب، فهل تعتق؟
وقال في مدح علي عليه السلام وبيان فضله (1):
يا منبع الأسرار يا سر * المهيمن في الممالك
يا قطب دائرة الوجود * وعين منبعه كذلك
والعين والسر الذي * منه تلقنت الملائك
ما لاح صبح في الدجى * إلا وأسفر عن جمالك
يا بن الأطايب والطواهر * والفواطم والعواتك
أنت الأمان من الردى * أنت النجاة من المهالك
أنت الصراط المستقيم * قسيم جنات الأرائك
والنار مفزعها إليك * وأنت مالك أمر مالك
يا من تجلى بالجمال * فشق بردة كل حالك
صلى عليك الله من * هاد إلى خير المسالك
والحافظ (البرسي) لا * يخشى، وأنت له هنالك
وقال في حب الإمام علي عليه السلام ويشير إلى عذاله على هذا الحب (2):
أيها اللائم دعني * واستمع من وصف حالي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1) شعراء الحلة: 2 / 386، والغدير: 7 / 45.
( 2) شعراء الحلة: 2 / 386 - 387، والغدير: 7 / 40، آخر مشارق الأنوار، وأعيان الشيعة: 6 / 466، والبابليات: 1 / 120.
أنا عبد لعلي * المرتضى مولى الموالي
كلما ازددت مديحا * فيه قالوا: لا تغالي
وإذا أبصرت في الــ * ــحق يقينا لا أبالي
آية الله التي * وصفها القول حلالي
كم إلى كم أيها العا* ذل أكثرت جدالي
يا عذولي في غرامي * خلني عنك وحالي
رح إلى من هو ناج * واطرحني وضلالي
إن حبي لوصي المصــ * ـصطفى عين الكمال
هو زادي في معادي * ومعادي في مآلي
وبه إكمال ديني * وبه ختم مقالي
وقال يمدح أهل البيت عليهم السلام (1):
يا آل طه أنتم أملي * وعليكم في البعث متكلي
إن ضاق بي ذنب فحكمكم * يوم الحساب هناك يوسع لي
بولائكم وبطيب مدحكم * أرجو الرضا والعفو عن زللي
(رجب) المحدث عبد عبدكم * والحافظ (البرسي) لم يزل
لا يختشي في الحشر حر لظى * إذ سيداه محمد وعلي
سيثقلان وزان صالحه * ويبيضان صحيفة العمل
لم ينشعب فيكون منطلقا * من ضله للشعب ذي الضلل
وقال يؤكد ولاءه لأهل البيت عليهم السلام (2):
أما والذي لدمي حللا * وخص أهيل الولا بالبلا
لئن أسق فيه كؤوس الحمام * لما قال قلبي لساقيه: لا
فموتي حياتي، وفي حبه * يلذ افتضاحي بين الملا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1) شعراء الحلة: 2 / 387، والغدير: 7 / 47 - 48.
( 2) شعراء الحلة: 2 / 387، الغدير: 7 / 66.
فمن يسل عنه، فإن الفؤاد * تسلى وما قط آنا سلا
مضت سنة الله في خلقه * بأن المحب هو المبتلى
وقال يزجي المديح نحو الإمام علي عليه السلام (1):
بأسمائك الحسنى أروح خاطري * إذا هب من قدس الجلال نسيمها
لئن سقمت نفسي فأنت طبيبها * وإن شقيت يوما فمنك نعيمها
رضيت بأن ألقى القيامة خائفا * دماء نفوس حاربتك جسومها
أبا حسن لو كان حبك مدخلي * جهنم كان الفوز عندي جحيمها
وكيف يخاف من كان موقنا * بأنك مولاه وأنت قسيمها
فواعجبا من أمة كيف ترتجي * من الله غفرانا، وأنت نعيمها؟
وواعجبا إذ أخرتك، وقدمت * سواك بلا جرم، وأنت زعيمها
وقال يمدح أهل البيت عليهم السلام (2):
فرضي ونفلي وحديثي أنتم * وكل كلي منكم وعنكم
وأنتم عند الصلاة قبلتي * إذا وقفت نحوكم أيمم
خيالكم نصب لعيني أبدا * وحبكم في خاطري مخيم
يا سادتي وقادتي أعتابكم * بجفن عيني لثراها ألثم
وقفا على حديثكم ومدحكم * جعلت عمري فاقبلوه وارحموا
منوا على (الحافظ) من فضلكم * واستنفذوه في غد وأنعموا
وقال في رثاء الإمام الحسين عليه السلام على نهج قصيدة البردة للبوصيري (3):
ما هاجني ذكر ذات البان والعلم * ولا السلام على سلمى بذي سلم
ولا صبوت لصب صاب مدمعه * على سلمى بذي سلم
ولا على طلل يوما أطلت به * مخاطبا لأهيل الحي والخيم
ولا تمسكت بالحادي وقلت له * (إن جئت سلما فسل عن جيرة العلم)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1) شعر الحلة: 2 / 387 - 388، والغدير: 7 / 41، وأعيان الشيعة: 6 / 467، البابليات: 1 / 121.
( 2) الغدير: 7 / 62 - 66، وشعراء الحلة: 2، وأعيان الشيعة: 6 / 466.
( 3) شعراء الحلة: 2 / 388، والغدير: 7 / 47، وأعيان الشيعة: 6 / 467، والبابليات: 1 / 120.
لكن تذكرت مولاي الحسين وقد * أضحى بكرب البلا كربلاء ظمي
ففاض صبري وفاض الدمع * وابتعد الرقاد واقترب السماء بالسقم
وهام إذ همت للعبرات من عدم * قلبي ولم أستطع مع ذاك منع دمي
لم أنسه وجيوش الكفر جائشة * والجيش في أمل والدين في ألم
تطوف بالطف فرسان الضلال به * والحق يسمع والأسماع في صمم
وللمنايا بفرسان المنى عجل * والموت يسعى على ساق بلا قدم
مسائلا ودموع العين سائلة * وهو العليم بعلم اللوح والقلم
ما اسم هذا الثرى يا قوم؟ فابتدروا، بقولهم يوصلون الكلم بالكلم
بكربلا هذه تدعى؟ فقال: أجل * آجالنا بين تلك الهضب والأكم
حطوا الرحال فحال الموت حل بنا * دون البقاء وغير الله لم يدم
يا للرجال لخطب حل مخترم * الآجال معتديا في الأشهر الحرم
فها هنا تصبح الأكباد من ظمأ * حرى وأجسادها تروى بفيض دم
وها هنا تصبح الأقمار آفلة * والشمس في طفل والبدر في ظلم
وها هنا تملك السادات أعبدها * ظلما ومخدومها في قبضة الخدم
وها هنا تصبح الأجساد ثاوية * على الثرى مطعما للبوم والرخم
وها هنا بعد بعد الدار مدفننا * وموعد الخصم عند الواحد الحكم
وصاح بالصحب: هذا الموت فابتدروا * أسدا فرائسها الآساد في الأجم
من كل أبيض وضاح جبينها * يغشى صلى الحرب لا يخشى من الضرم
من كل منتدب لله محتسب، * في الله منتجب، بالله معتصم
وكل مصطلم الأبطال، مصطلم * الآجال، ملتمس الآمال، مستلم
وراح ثم جواد السبط يندبه * عالي الصهيل خليا طالب الخيم
فمذ رأته النساء الطاهرات بدا * بكارم الأرض في خلد له وفم
فجئن والسبط ملقى بالنصال أبت * من كف مستلم أو ثغر ملتثم
والشمر ينحر منه النحر من حنق * والأرض ترجف خوفا من فعالهم
فتستر الوجه في كم عقيلته * وتنحني فوق قلب وآله كلم
تدعو أخاها الغريب المستظام أخي * يا ليت طرف المنايا عن علاك عم
من اتكلت عليه النساء؟ ومن * أوصيت فينا؟ ومن يحنو على الحرم
هذي سكينة قد عزت سكينتها * وهذه فاطم تبكي بفيض دم
تهوي لتقبيله والدمع منهمر * والسبت عنها بكرب الموت في غمم
فيمنع الدم والنصل الكسير به * عنها فتنصل لم تبرح ولم ترم
تضمه نحوها شوقا، وتلثمه * ويخضب النحر منه صدرها بدم
تقول من عظم شكواها ولوعتها * وحزنها غير منفض ومنفصم
أخي لقد كنت نورا يستضاء به * فما لنور الهدى والدين لي ظلم
أخي لقد كنت غوثا للأرامل يا * غوث اليتامى وبحر الجود والكرم
يا كافلي هل ترى الأيتام بعدك في * أسر المذلة والأوصاب والألم
يا واحدي يا بن أمي يا حسين لقد * نال العدى ما تمنوا من طلابهم
وبردوا غلل الأحقاد من ضغن * وأظهروا ما تخفى في صدورهم
أين الشقيق وقد بان الشقيق وقد * جار الرقيق ولج الدهر في الأزم
مات الكفيل وغاب الليث فابتدرت * عرج الضباع على الأشبال في نهم
وتستغيث رسول الله صارخة * يا جد أين الوصايا في ذوي الرحم
يا جدنا لو رأت عيناك من حزن * للعترة الغر بعد الصون والحشم
مشردين عن الأوطان قد قهروا * ثكلى أسارى حيارى ضرجوا بدم
يسري بهن سبايا بعد عزهم * فوق المطايا كسبي الروم والخدم
هذا بقية آل الله سيد أهل * الأرض زين عباد الله كلهم
نجل الحسين الفتى الباقي ووارثه * والسيد العابد السجاد في الظلم
يساق في الأسر نحو الشام مهتضما * بين الأعادي فمن باك، ومبتسم
ابن النبي السبط وثغر يقرعه * يزيد بغضا لخير الخلق كلهم
أينكث الرجس ثغرا كان قبله * من حبة الطهر خير العرب والعجم؟
ويدعي بعدها الإسلام من سفه * وكان أكفر من عاد ومن أرم !
يا ويله حين تأتي الطهر فاطمة * في الحشر صارخة في موقف الأمم
تأتي فيطرق أهل الجمع أجمعهم * منها حياء ووجه الأرض في قتم
وتشتكي عن يمين العرش صارخة * وتستغيث إلى الجبار ذي النقم
هناك يظهر حكم الله في ملأ * عصوا وخانوا فيا سحقا لفعلهم
وفي يديها قميص للحسين غدا * مضمخا بدم قرنا إلى قدم
أيا بني الوحي والذكر الحكيم ومن * ولاهم أملي والبرء من ألمي
حزني لكم أبدا لا ينقضي كمدا * حتى الممات ورد الروح في رمم
حتى تعود إليكم دولة وعدت * مهدية تملأ الأقطار بالنعم
فليس للدين من حام ومنتصر * إلا الإمام الفتى الكشاف للظلم
القائم الخلف المهدي سيدنا * الطاهر العلم ابن الطاهر العلم
بدر الغياهب تيار المواهب * منصور الكتائب حامي الحل والحرم
يا بن الإمام الزكي العسكري فتى * الهادي النقي علي الطاهر الشيم
يا بن الجواد ويا نجل الرضاء ويا * سليل كاظم غيظ منبع الكرم
خليفة الصادق المولى الذي ظهرت * علومه فأثارت غيهب الظلم
خليفة الباقر المولى خليفة زين * العابدين علي طيب الخيم
نجل الحسين شهيد الطف سيدنا * وحبذا مفخر يعلو على الأمم
نجل الحسين سليل الطهر فاطمة * وابن الوصي علي كاسر الصنم
يا بن النبي ويا بن الطهر حيدرة * يا بن البتول ويا بن الحل والحرم
أنت الفخار ومعناه وصورته * ونقطة الحكم لا بل خطة الحكم
أيامك البيض خضر فهي خاتمة * الدنيا وختم سعود الدين والأمم
متى نراك فلا ظلم، ولا ظلم * والدين في رغد والكفر في رغم
أقبل فسبل الهدى والدين قد طمست * ومسها نصب والحق في عدم
يا آل طه ومن حبي لهم شرف * أعده في الورى من أعظم النعم
إليكم مدحة جاءت منظمة * ميمونة صغتها من جوهر الكلم
بسيطة إن شدت أو أنشدت عطرت * بمدحكم كبساط الزهر منخرم
بكرا عروسا ثكولا زفها حزن * على المنابر غير الدمع لم تسم
يرجو بها (رجب) رحب المقام غدا * بعد العناء غناء غير منهدم
يا سادة الحق ما لي غيركم أمل * وحبكم عدتي والمدح معتصمي
ما قدر مدحي والرحمن مادحكم * في (هل أتى) مع نون والقلم
حاشاكم تحرموا الراجي مكارمكم * ويرجع الجار عنكم غير محترم
أو يخشى الزلة (البرسي) وهو يرى * ولاكم فوق ذي القربى وذي الرحم
إليكم تحف التسليم واصلة * ومنكم وبكم أنجو من النقم
صلى الله عليكم ما بدا نسم * وما أتت بسمات الصبح في الحرم
وقال يمدح آل محمد صلى الله عليه وآله ويخص الإمام عليا عليه السلام (1):
إذا رمت يوم البعث تنجو من اللظى * ويقبل منك الدين والفرض والمنن
فوال عليا والأئمة بعده * نجوم الهدى، تنجو من الضيق والمحن
فهم عترة قد فوض الله أمره * إليهم لما قد خصهم منه بالمنن
أئمة حق أوجب الله حقهم * وطاعتهم فرض بها لله تمتحن
نصحتك أن ترتاب فيهم فتنثني * إلى غيرهم. من غيرهم في الأنام؟ من
فحب علي عدة لوليه * يلاقيه عند الموت والقبر والكفن
كذلك يوم البعث لم ينج قادم * من النار إلا من تولى أبا الحسن
وقال يمدح الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام (2):
العقل نور وأنت معناه * والكون سر وأنت مبداه
والخلق في جميعهم إذا جمعوا * الكل عبد وأنت مولاه
أنت الولي الذي جلت مناقبه * ما لعلالها في الخلق أشباه
يا آية الله في العباد ويا * سر الذي لا إله إلا هو
تناقض العالمون فيك، وقد * حاروا عن المهتدى، وقد تاهوا
فقال قوم: بأنه بشر * وقال قوم: بأنه الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1) شعراء الحلة: 2 / 392، والغدير: 7 / 49.
( 2) شعراء الحلة: 2 / 392 - 393، والغدير: 7 / 40، أعيان الشيعة: 6 / 466، والبابليات: 1 / 121.
يا صاحب الحشر والمعاد ومن * مولاه حكم العباد ولاه
يا قاسم النار والجنان غدا * أنت ملاذ الراجي ومنجاه
كيف يخاف (البرسي) حر لظى * وأنت عند الحساب غوثاه
لا يخشى النار عبد حيدرة * إذ ليس في النار من تولاه
وقال في إظهاره أسرار الأئمة عليهم السلام (1):
لقد أظهرت يا (حافظ) * سرا كان مخفيا
وأبرزت من الأنوار * نورا كان مطويا
به قد صرت عند الله * والسادات علويا
ومقبولا ومسعودا * ومحسودا ومرضيا
فطب نفسا، وعش فردا * وكن طيرا سماويا
غريبا يألف الخلوة * لا يقرب إنسيا
غدا في الناس بالخلوة * والوحدة منسيا
وإن أصبحت مرفوضا * بسهم البغض مرميا
فلم يبغضك إلا من * أبوه الزنج بصريا
عمانيا مراديا * مجوسيا يهوديا
لهذا قد غدا يبغض * ذاك الطين كوفيا
وفي المولد والمحتد * (برسيا) و (حليّا)
وقال مسمطاً في مدح الأئمة عليهم السلام (2):
سركم لا تناله الفكر * وأمركم في الورى له خطر
مستصعب فك رمز خطر * ووصفكم لا يطيقه البشر
ومدحكم شرفت به السور
وجودكم للوجود علته * ونوركم للظهور آيته
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1) شعراء الحلة: 2 / 293، والغدير: 7 / 66 - 67.
( 2) شعراء الحلة: 2 / 393، والغدير: 7 / 48 - 49.
وأنتم للوجود قبلته * وحبكم للمحب كعبته
يسعى بها طائعا ويتعمر
لولاكم ما استدارت الأكر * ولا استنارت شمس ولا قمر
ولا تدلى غصن ولا ثمر * ولا تندى ورق ولا خضر
ولا سرى بارق ولا مطر
عندكم في الآيات مجمعنا * وأنتم في الحساب مفزعنا
وقولكم في الصراط مرجعنا * وحبكم في النشور ينفعنا
به ذنوب المحب تغتفر
يا سادة قد زكت معارفهم * وطاب أصلا وساد رقهم
وخاف في بعثه مخالفهم * إن يختبر للورى صيارفهم
فأصلهم بالولاء يختبر
أنتم رجائي وحبكم أملي * عليه يوم المعاد متكلي
فكيف يخشى حر السعير ولي * وشافعاه محمد وعلي
أو يعتريه من شرها شرر
عبدكم (الحافظ) الفقير على * أعتاب أبوابكم يروم قلا
تخييره يا سادتي أملا * واقسموه يوم المعاد إلي
ظل ظليل نسيمه عطر
صلى عليكم رب السماء كما * أصفاكم واصطفاكم كرما
وزاد عبدا والاكم نعما * ما غرد الطير في الغصون وما
ناح حمام وأوراق الشجر
وقال :
وإن بارزا فالدهر يخفق قلبه * لسطوتهم والأسد في الغاب تفزع
وإن ذكر المعروف والجود في الورى * فبحر نداهم زاخر يتدفع
أبوهم سماء المجد والأم شمسه * نجوم لها برج الجلالة مطلع
فيا نسبا كالشمس أبيض مشرقا * ويا شرفا من هامة النجم أرفع
فمن مثلهم إن عد في الناس مفخر * أعد نظرا يا صاح إن كنت تسمع
ميامين قوامون عز نظيرهم * هداة ولاة للرسالة منبع
فلا فضل إلا حين يذكر فضلهم * ولا علم إلا علمهم حين يرفع
ولا عمل ينجي غدا غير حبهم * إذا قام يوم البعث للخلق مجمع
ولو أن عبدا جاء لله عابدا * بغير ولا أهل العبا ليس ينفع
فيا عترة المختار يا راية الهدى * إليكم غدا في موقفي أتطلع
خذوا بيدي يا آل بيت محمد * فمن غيركم يوم القيامة يشفع (1)
تم الكتاب والحمد لله رب العالمين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1) أعيان الشيعة: 6 / 467.