منتديات موقع الميزان - عرض مشاركة واحدة - أصول العقيدة (1)
الموضوع: أصول العقيدة (1)
عرض مشاركة واحدة

زائر الأربعين
عضو مجتهد

رقم العضوية : 8240
الإنتساب : Feb 2010
المشاركات : 94
بمعدل : 0.02 يوميا
النقاط : 176
المستوى : زائر الأربعين is on a distinguished road

زائر الأربعين غير متواجد حالياً عرض البوم صور زائر الأربعين



  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : زائر الأربعين المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 10-Jan-2013 الساعة : 12:43 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


-[ 9 ]-
تمهيد
* أهمية العقل
* المراد من العقل
* أسباب الاختلاف
* الموضوعية في البحث
-[ 11 ]-
تمهيد

إن للعقل أهمية كبرى في كيان الإنسان، وتقويم شخصيته، وتوجيه سلوكه، وتحديد مصيره، وبه تميَّز عن بقية الحيوانات وفُضِّل عليها، فإنها وإن كانت تملك شيئاً من الإدراك الغريزي، إلا أنه في حدود ضيقة، أما الإنسان فهو يستطيع بعقله تمييز الأشياء، ومقارنة بعضها ببعض، ثم الترجيح بينها، واستحصال النتائج من مقدماتها، وتحديد الضوابط التي ينبغي الجَرْي عليها، مع سعَة أُفُقٍ وانفتاح على الواقع، قد يقطع به ذوو الهمم العالية شوطاً بعيداً في التقدم، ويرتفعون به إلى مراتب سامية من الرقي والكمال.

أهمية العقل في الكتاب والسنة

ولذلك أكد القرآن المجيد على العقل في آيات كثيرة، قال تعالى: ((وَمَا يَذَّكَّرُ إلاَّ أُولُوا الألبَابِ)) (1).
وقال سبحانه: ((قَد بَيَّنَّا لَكُم الآيَاتِ إن كُنتُم تَعقِلُونَ)) (2)، وقال
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة البقرة آية: 269.
(2) سورة آل عمران آية: 118.
-[ 12 ]-
عزّ من قائل: ((إنَّ فِي خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرضِ وَاختِلاَفِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأولِي الألبَابِ)) (1).
وقال جلّ شأنه: ((إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأولِي النُّهَى)) (2)... إلى غير ذلك.
كما أكدت على ذلك السنّة الشريفة في أحاديث كثيرة لا تحصى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة من آله (عليهم السلام)، وبصيغ مختلفة في عرض ذلك،فعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: "قوام المرء عقله، ولا دِين لِمَن لا عقل له" (3).
وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) : "ما قسم الله للعباد شيئاً أفضل من العقل... ولا بعث الله رسولاً حتى يستكمل العقل، ويكون عقله أفضل من عقول جميع أمّته..." (4).
وفي الحديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: "لا غنى كالعقل، ولا فقر كالجهل" (5).
وقال (عليه السلام) في حديث: "مَن كمل عقله حسن عمله" (6).
وفي حديث هشام بن الحكم: "قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر (عليهم السلام) : يا هشام إن الله تبارك وتعالى بشّر أهل العقل والفهم في كتابه، فقال: ((فَبَشِّر عِبَادِي* الَّذِينَ يَستَمِعُونَ القَولَ فَيَتَّبِعُونَ أحسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُم اللهُ وَأُولَئِكَ هُم أُولُوا الألبَابِ)) يا هشام إن الله تبارك وتعالى أكمل للناس
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة آل عمران آية: 118، 190.
(2) سورة طه آية: 54.
(3) (4)، (5)، (6) بحار الأنوار 1: 94، 91، 95، 87
-[ 13 ]-
الحجج بالعقول، ونصر النبيين بالبيان، ودلّهم على ربوبيته بالأدلة..." (1)... إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة.

إخفاق العقل في القيام بوظيفته

نعم قد يفقد العقل فاعليته، أو يتعثر في طريقه، نتيجة تقصير الإنسان وتفريطه، إما إهمالاً وتسامحًا، لعدم شعوره بالمسؤولية، أو لتغلب عوامل ومؤثرات أخرى عليه، مِن كسل، أو ضجر، أو شهوة، أو غضب، أو تعصب، أو تقليد أو غير ذلك مما يقف في طريق العقل ويمنعه من أداء وظيفته،فمثلاً: مِن أهم الأمور الدنيوية التي يحبها الإنسان ويهتم بها صحته البدنية، التي بها قوام حياته وبقاؤه في هذه الدنيا، ومع ذلك نرى الناس - مع اشتراكهم في حبها والاهتمام بها - مختلفين في رعايتها والحفاظ عليها،فمنهم مَن يبذل وسعه ويجهد جهده في ذلك، بالوسائل العقلائية الميسورة، مهما كلّفه ذلك مِن تعب ونصب وقيود والتزامات، فيبحث عن أفضل الأطباء وأحذقهم، ويلتزم بتوجيهات الطبيب ونظامه العلاجي غير مبال بمتاعب ذلك ومصاعبه، كل ذلك من أجل اهتمامه بصحته وحبه للحياة.
بينما نرى آخرين لا يراعون ذلك، لا لعدم حبهم للصحة والحياة، بل إما لتغلب روح الإهمال واللامبالاة عليهم، أو لاقتصارهم في العلاج على الطرق التقليدية الموروثة، جموداً عليها، أو كسلاً عن الفحص عن الأصلح، من دون مراعاة للطرق العقلائية في اختيار الطبيب المعالج
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي 1: 13.
-[ 14 ]-
وكيفية العلاج، أو لتعصبهم ضدّ الطبيب الأفضل بنحْوٍ يصعب عليهم الاعتراف له بالفضيلة، أو لضيقهم من التقيّد بالدواء ومواعيده، أو من بعض الالتزامات الأخرى التي يفرضها الطبيب عليهم، أو لغلبة شهوتهم لما يمنعهم الطبيب منه ويحميهم عنه من طعام أو شراب وغيرهما... إلى غير ذلك ممّا يأباه العقل السليم، ويستهجنه العقلاء بفطرتهم،وليس ذلك لفقدهم القوة العاقلة، بل لعدم فاعلية العقل فيهم نتيجة ما سبق، حتى يتجمد أو يُغلَب، فَهُمْ يدركون ضرَرَ سلوكهم وكأنهم لا يدركونه، ويملكون العقل وكأنهم يفقدونه.

العقل مَنْشَأ المسؤولية دائمًا

ولا يَجْنُون مِن عقلهم إلا تحمُّل المسؤولية واللوم والتقريع، ثم الندم عند الوصول للنهاية المُرَّة حين لا ينفع الندم، وكلما كان الضرر أكبر وأفظع كان اللوم والتقريع والندم أشدّ وأعظم. ولو أنهم فقدوا العقل حقيقةً لكان خيراً لهم، حيث لا مسؤولية، ولا لوم، ولا تقريع، ولا ندم.
وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: "استرشدوا العقلَ تُرْشَدوا، ولا تعصوه فتندموا" (1).
وفي حديث حمدان عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنه قال: "صديق كلِّ امرئٍ عقلُه، وعدوُّه جهله" (2).
وفي حديث عبد الله بن سنان قال: "سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليهم السلام)، فقلت: الملائكة أفضل أم بنو آدم؟ فقال: قال أمير المؤمنين
ـــــــــــــــــــــــ
(1)، (2) بحار الأنوار 1: 96، 87.
-[ 15 ]-
علي بن أبي طالب (عليه السلام) : إن الله ركب في الملائكة عقلاً بلا شهوة، وركب في البهائم شهوة بلا عقل، وركب في بني آدم كلتيهما [كليهما. علل الشرائع]. فمَن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة، ومن غلب شهوته عقله فهو شرّ من البهائم" (1).
وتصديق ذلك في كتاب الله عزّ وجلّ حيث يقول: ((إنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللهِ الصُّمُّ البُكمُ الَّذِينَ لاَ يَعقِلُونَ)) (2).
وحين يقول: ((وَلَقَد ذَرَأنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِن الجِنِّ وَالإنسِ لَهُم قُلُوبٌ لاَ يَفقَهُونَ بِهَا وَلَهُم أعيُنٌ لاَ يُبصِرُونَ بِهَا وَلَهُم آذَانٌ لاَ يَسمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأنعَامِ بَل هُم أضَلُّ أُولَئِكَ هُم الغَافِلُونَ)) (3)... إلى غير ذلك.

ضرورة استغلال العقل

فعلى الإنسان أن يعرف عظمة هذه النعمة التي فُضِّل بها وارتفع عن حضيض الحيوانية، ويستغلها لصلاحه وسعادته، في جميع أموره وشؤونه المتعلقة به، والدخيلة في سعادته وشقائه وخيره وشرّه، ويَرْبَأ بنفسه عن التخلي عنها والهبوط إلى مستوى الحيوان أو ما دونه، ثم يزيد عليه بتحمُّل التبعة والتقريع واللوم، ثم الندم حيث لا يغني ولا ينفع.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) وسائل الشيعة 11: 164، باب 9 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه، حديث: 2.
(2) سورة الأنفال آية: 22.
(3) سورة الأعراف آية: 179.
-[ 16 ]-

ضرورة إعمال العقل في أمر الدين

هذا وبعد أن اتضحت أهمية العقل، فحيث كان الدين من أهمّ شؤون الإنسان التي يمر بها تقرير مصيره - في سعادته وشقائه وخيره وشرّه في دنياه وآخرته - كان أفضل عوْنٍ له في أمره عقلُه، فهو الطريق الأول له، وبه تقوم حجته ويصل إليه. ولذا سبق التأكيد عليه في الكتاب المجيد والسنّة الشريفة.
وفي حديث هشام بن الحكم عن الإمام الكاظم (عليه السلام) قال: "يا هشام إن لله على الناس حجتين: حجة ظاهرة، وحجة باطنة. فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة (عليهم السلام). وأما الباطنة فالعقول" (1).
وفي حديث عبد الله بن سنان عن الإمام الصادق (عليه السلام) : "قال: حجة الله على العباد النبي، والحجة فيما بين العباد وبين الله العقل" (2).
والظاهر أنّ مراده (عليه السلام) أنّ الأنبياء (عليهم السلام) تختص حجتهم بوظيفتهم، وهي التبليغ عن الله تعالى، أما العقل فهو الحجة في الأمور الباقية، مِن إثبات وجود الله عز وجل، وحاكميته، ووجوب طاعته، وإرساله الأنبياء، وصدقهم في دعوى الرسالة مِن قِبَله تعالى، وغير ذلك مما يكون مورداً للحساب والمسؤولية بينه وبين عباده، فهو الدعامة الكبرى، والقطب الذي عليه المدار، وإليه ترجع الأمور،وقد سبق الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : أنه لا دين لمن لا عقل له.
ويتجلى ذلك في العَرْض - الحقيقي أو التمثيلي - الذي تضمنه حديث
ـــــــــــــــــــــــ
(1)، (2) الكافي 1: 16، 25.
-[ 17 ]-
محمد بن مسلم عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: "لما خلق الله العقل استنطقه، ثم قال له: أقبل، فأقبل، ثم قال له: أدبر، فأدبر. ثم قال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً هو أحب إلي منك، ولا أكملتك إلا فيمَن أحب، أَمَا إني إياك آمر، وإياك أنهى، وإياك أعاقب، وإياك أثيب" (1).
وحديث الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) : "قال: هبط جبرئيل على آدم (عليه السلام) فقال: يا آدم إني أُمِرْتُ أن أخيّرك واحدة من ثلاث، فاخترها، ودع اثنتين. فقال له آدم: يا جبرئيل وما الثلاث؟ فقال: العقل والحياء والدين. فقال آدم: إني قد اخترت العقل. فقال جبرئيل للحياء والدين: انصرفا ودعاه. فقالا: يا جبرئيل إنا أُمِرْنا أن نكون مع العقل حيث كان. قال: فشأنكما. وعَرَج" (2).

تحديد المراد مِن العقل

ولا نريد بالعقل الاستدلالات العقلية المعقدة المبنية على مقدمات برهانية دقيقة، تحتاج إلى خبرة عالية يفقدها الكثيرون، بل(نريد) العقل الجلي، بالرجوع للمرتكزات الوجدانية التي أودعها الله تعالى في الإنسان بفطرته، والتي بها تحديد الحق من الباطل، وتحديد مدلول الكلام وما تقتضيه مناسبات المقام، والتي هي المَدَار في العُذْرِ والمسؤولية عند عامّة العقلاء، والتي يكون الخروج عنها مُخَالَفَةً للوجدان حسبما يدركه الإنسان لو خُلِّي وطَبْعه، حيث يستطيع بسببها كلُّ إنسانٍ كاملِ الإدراك يهمّه الوصول
ـــــــــــــــــــــــ
(1)، (2) الكافي 1: 10.
-[ 18 ]-
للحق استيضاح الحقيقة وتمييز الأدلة الصالحة للاستدلال عليها مِن أقصر الطرق وأيسرها، وأبعدها عن الخطأ.
ولاسيما أن الله تعالى حينما جعل دينه وشرعه قد فرضه على الناس عامّة، وألزمهم به، فلابد مِن وضوح حجته بحيث يدركها الكل، وذلك لا يكون إلا بالرجوع للطريق المذكور، الذي يملكه الكل، ويتيسر لهم الرجوع إليه والاستعانة به على معرفة الحقيقة، دون الاستدلالات العقلية المعقدة التي لا يقدر عليها إلا الخاصّة بعد جهد جهيد، وتارةً: يُوفَّقون فيها ويُسدَّدون، وأخرى: يخطئون فيها ويضلون، لخطأ المقدمات التي اعتمدوها، أو قُصُورها عن إفادة النتائج التي استنتجوها منها.
نعم، لا بأس بالاستظهار لمعرفة الحقيقة وتأكيد الحجة الواضحة عليها بالاستدلالات العقلية المعقدة التي لا يقوى عليها إلا ذوو المقام الرفيع في المعرفة والتحقيق.
لكن يَلْزَم التَّثَبُّت والترَوِّي والحذر الشديد مِن مصادمتها للوجدان والخروج بها عنه، فإنّ مَن يعتمد تلك الاستدلالات ويَأْلَفها قد يَعْتَزّ بها ويتفاعل معها حتى لو صادَمَت الوجدانَ وخالفت المرتكزات العامّة التي أودعها الله تعالى في الإنسان، وبها يحتج عليه.
وهو خطأ فادح لا يصلح عذراً بمقتضى الفطرة السليمة التي عليها المدار في استحقاق المدح والثواب، واللوم والعقاب.
والحقيقة أنه لابد مِن التوافق بين العقل الوجداني والبرهان العقلي
-[ 19 ]-
مهما تَعَقَّد، أمّا لو اصطدم البرهان بالوجدان وخرج عن مقتضاه فلابد مِن التوفيق بينهما. وكثيراً ما يتيسر ذلك للناقد المتبصر.
ولو تعذر التوفيق بينهما تعيَّن الإعراض عن البرهان، لكَوْنه شُبْهَة في مقابل البديهة.
ومَرْجِع ذلك للعلْم بخلَلٍ في الاستدلال، وقُصُورٍ في بعض مقدماته إجمالاً، وإنْ تعذّر تمييزه تفصيلاً.


رد مع اقتباس