منتديات موقع الميزان - عرض مشاركة واحدة - أصول العقيدة (1)
الموضوع: أصول العقيدة (1)
عرض مشاركة واحدة

زائر الأربعين
عضو مجتهد

رقم العضوية : 8240
الإنتساب : Feb 2010
المشاركات : 94
بمعدل : 0.02 يوميا
النقاط : 176
المستوى : زائر الأربعين is on a distinguished road

زائر الأربعين غير متواجد حالياً عرض البوم صور زائر الأربعين



  مشاركة رقم : 5  
كاتب الموضوع : زائر الأربعين المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 17-Jan-2013 الساعة : 09:09 AM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


-[ 33 ]-

المقدمة

وهي تتضمن أموراً يحسن التعرض لها قبل الدخول في المطلوب، لأنها تنفع فيه، وإن كانت خارجة عنه.
وفيها مباحث..

المبحث الأول
في وجوب الفحص عن الدين

كلّ ذي شعور - من إنسان أو حيوان - مفطور على حب نفسه، والتعلق بها ولأجل ذلك فهو يسعى لنفعها وجلب الخير لها، إلا إذا توقّف ذلك على تحمُّل الضرر، ولو كان هو التعب والنصب، الذي قد يضيق به الخامل.

وجوب دَفْع الضرر عن النفس

كما أنه يحاول دائماً دفع الضرر عن نفسه، والفرار من الخطر إذا هجم عليها، ولا يُقْدِم على الضرر إلا مِن أجل دفع الضرر الأعظم. وكلما كان
-[ 34 ]-
الضرر الوارد أشد وأهم كان دفعه ألْزَم، والاهتمام به آكد.
ولا يتوانى عن هذين الأمرين إلا عند اليأس والجزع، بحيث يوجب انهياره نفسيًّا، وخروجه عن ميزانه العقلي.
وهذه حقيقة ثابتة، واضحة جلية، لا ينكرها إلا مكابر معاند، لا يحسن الحديث معه.

وجوب الحذر من الضرر المحتمل

وهناك حقيقة ثانية وراءها تتفرع عليها وهي أنه عند احتمال ترتُّب الضرر مِن دون يقينٍ بحصوله لا يحسن بالعاقل التغاضي عنه والتسامح في أمره، والركون لاحتمال عدمه، بل لابد له مِن التحفُّظ منه والاحتياط لدفْعه، بحيث يأمَن مِن حصوله، لأنّ ذلك هو المناسب لِمَا فُطِر عليه مِن حبه لنفسه. ولو فرّط حينئذ كان مورداً للّوم، ثم الندم لو وقع فيه.
وكلما اشتد الضرر المحتمل تأكد لزوم التحفظ منه. وذلك من البديهيات غير القابلة للإنكار.

تركيز الأديان على الثواب والعقاب الأخرويين

وعلى هاتين الحقيقتين البديهيتين الفطريتين ترتكز الأديان عامّةً في حَمْل الناس على سماع دعوتها والنظر في أدلتها، ثم اعتناقها والالتزام بتعاليمها بعد ثبوتها ووضوح حجتها.
وذلك بعد أن أكدت الأديان على مَعَاد الإنسان بعد الموت، ثم
-[ 35 ]-
نيْله الجزاء بالثواب العظيم على الإيمان بالدين والتزام تعاليمه، والعقاب الشديد على التسامح في ذلك والتفريط فيه.
وفي القرآن المجيد مضامين عالية في الوعد والوعيد، والترغيب والترهيب، تهز الناظر فيها شوقاً للثواب وفَرَقاً من العقاب.

نماذج من العرض القرآني للثواب والعقاب الأخرويين

قال عَزَّ مِن قائل: ((إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِمَن خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَومٌ مَجمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَومٌ مَشهُودٌ* وَمَا نُؤَخِّرُهُ إلاَّ لأجَل مَعدُودٍ* يَومَ يَأتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفسٌ إلاَّ بِإذنِهِ فَمِنهُم شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ* فَأمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُم فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ* خَالِدِينَ فِيهَا مَادَامَت السَّمَاوَاتُ وَالأرضُ إلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ إنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ* وَأمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَادَامَت السَّمَاوَاتُ وَالأرضُ إلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيرَ مَجذُوذٍ)) (1).
وقال سبحانه وتعالى: ((هَذَانِ خَصمَانِ اختَصَمُوا فِي رَبِّهِم فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَت لَهُم ثِيَابٌ مِن نَارٍ يُصَبُّ مِن فَوقِ رُؤوسِهِمُ الحَمِيمُ* يُصهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِم وَالجُلُودُ* وَلَهُم مَقَامِعُ مِن حَدِيدٍ* كُلَّما أرَادُوا أن يَخرُجُوا مِنهَا مِن غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الحَرِيقِ* إنَّ اللهَ يُدخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأنهَارُ يُحَلَّونَ فِيهَا مِن أسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤلُؤاً وَلِبَاسُهُم فِيهَا حَرِيرٌ* وَهُدُوا إلَى الطَّيِّبِ مِن القَولِ وَهُدُوا إلَى صِرَاطِ الحَمِيدِ)) (2).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة هود آية: 103ـ108.
(2) سورة الحج آية: 19ـ24.
-[ 36 ]-
وقال عزّ وجلّ: ((الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسلِمِينَ* ادخُلُوا الجَنَّةَ أنتُم وَأزوَاجُكُم تُحبَرُونَ* يُطَافُ عَلَيهِم بِصِحَافٍ مِن ذَهَبٍ وَأكوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشتَهِيهِ الأنفُسُ وَتَلَذُّ الأعيُنُ وَأنتُم فِيهَا خَالِدُونَ* وَتِلكَ الجَنَّةُ الَّتِي أُورِثتُمُوهَا بِمَا كُنتُم تَعمَلُونَ* لَكُم فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنهَا تَأكُلُونَ* إنَّ المُجرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ* لاَ يُفَتَّرُ عَنهُم وَهُم فِيهِ مُبلِسُونَ* وَمَا ظَلَمنَاهُم وَلَكِن كَانُوا هُم الظَّالِمِينَ* وَنَادَوا يَا مَالِكُ لِيَقضِ عَلَينَا رَبُّكَ قَالَ إنَّكُم مَاكِثُونَ* لَقَد جِئنَاكُم بِالحَقِّ وَلَكِنَّ أكثَرَكُم لِلحَقِّ كَارِهُونَ)) (1).
وقال جلّ شأنه: ((وَلَو يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إذ يَرَونَ العَذَابَ أنَّ القُوَّةَ للهِ جَمِيعاً وَأنَّ اللهَ شَدِيدُ العَذَابِ* إذ تَبَرَّأ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِن الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأوا العَذَابَ وَتَقَطَّعَت بِهِم الأسبَابُ* وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَو أنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأ مِنهُم كَمَا تَبَرّؤوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِم اللهُ أعمَالَهُم حَسَرَاتٍ عَلَيهِم وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِن النَّارِ)) (2).
وقال عزّ اسمه: ((المُلكُ يَومَئِذٍ الحَقُّ لِلرَّحمَنِ وَكَانَ يَوماً عَلَى الكَافِرِينَ عَسِيراً* وَيَومَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيهِ يَقُولُ يَا لَيتَنِي اتَّخَذتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً* يَا وَيلَتَى لَيتَنِي لَم أتَّخِذ فُلاَناً خَلِيلاً* لَقَد أضَلَّنِي عَن الذِّكرِ بَعدَ إذ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيطَانُ لِلإنسَانِ خَذُولا)) (3)... إلى غير ذلك من ما يضيق المقام عن استقصائه.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الزخرف آية: 69ـ 78.
(2) سورة البقرة آية: 165ـ167.
(3) سورة الفرقان آية: 26ـ 29.
-[ 37 ]-

وجوب النظر في أدلة الدين على كل مَن بلغته دعوته

ومِن جميع ذلك يظهر وجوب الفحص عن الدين الحق والنظر في الأدلة، لمعرفته والوصول إليه، تحفُّظاً مِن ضرر مخالفته على تقدير قيام الحجة الكافية عليه، وعدم اكتفاء الإنسان بما عنده، إلا أن يقطع معه بالسلامة، لاستفراغه الوسع في الفحص عن الحقيقة، والنظر في أدلتها وتنقيحها، بحيث يكون على بصيرة من أمره وعذر عند ربه.
ولا فرق في ذلك بين مَن آمن بالله تعالى وبرسله وبالبعث والجزاء ومَن لم يؤمن بهذه الأمور، فإنّ مَن لا يؤمن بها كيف يتسنى له اليقين بعدمها - بوَجْهٍ يُعْذَر فيه عقْلاً - مِن دُون فحص ونظر، مع وجود مَن يدّعي ثبوتها، وقيام الدليل عليها، وإلزام الحجة بها؟!.
وبعبارة أخرى: إذا بقي الإنسان غافلاً مِن دون تنبيه فقد يعتقد بَدْواً بأنه لا وجود إلا للمحسوس، وليس وراء هذه الحياة شيء.
أما إذا خرج عن غفلته وبلغته الدعوة، وعَلِم أنّ هناك أمّة كبيرة مِن الناس تدّعي تحقُّق بعض الأمور غير المحسوسة ذات الأهمية الكبرى، وتحاول إثباتها والاستدلال عليها، فلا طريق له إلى اليقين بعدمها مِن دون نظر في أدلتها وحججها، لأنّ اليقين بالعدم - كاليقين بالوجود - لابد له مِن دليل.
ولاسيما أنّ بعض مَن يدّعي ذلك قد بلغ مراتب عالية في العقل
-[ 38 ]-
والرشد والمعرفة، كالأنبياء والأوصياء (صلوات الله وسلامه عليهم)، وكثيرٍ مِن أتباعهم (رضي الله عنهم).
ومدّعي القطع بالعدم مع ذلك مِن دون نظر في الأدلة مكابر مغالط، لا تنفعه دعواه مهما أصرّ عليها وتشبَّث بها، ولا يكون معذوراً عقْلاً، فلا يأمَن مِن الضرر المُدّعى، الذي سبق وجوب دفْعه.
وأما دعوى: أنه يكفي في المُعَذِّرِيَّة الشكُّ الحاصل له، ولا مُلْزِم معه بالنظر في الدعوة والفحص عن أدلتها مِن أجل أن يعلم بالحقيقة ويتحمّل مسؤوليتها، لِمَا هو المعلوم من قبح العقاب بلا بيان.
فيدفعها أنّ الشك لا يكون عذراً عقلاً إلا بعد استفراغ الوسع في الفحص عن الأمر المشكوك. ويكفي في البيان الرافع للعُذْر البيان بالوجه المتعارف الذي مِن شأنه أن يطلع عليه الناس بالفحص والنظر. ولا أقلّ مِن احتمال ذلك، بسبب ما تظافرت الأدلة به مِن وجوب الفحص والنظر.وفي حديث مسعدة بن زياد: "سمعت جعفر بن محمد (عليهم السلام) وقد سئل عن قوله تعالى: ((فَللّهِ الحُجَّةُ البَالِغَةُ)) فقال: إذا كان يوم القيامة قال الله تعالى للعبد: أكنت عالماً؟ فإنْ قال: نعم، قال له: أفلا عملت بما علمت؟ وإن قال: كنت جاهلاً، قال له: أفلا تعلمت [حتى تعمل.خ]؟ فيخصمه. فتلك الحجة البالغة لله عزّ وجلّ على خلقه" (1).
وحينئذٍ يجب الفحص دفعاً للضرر المحتمل.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) أمالي المفيد: 292 المجلس الخامس والثلاثون حديث: 1 / ورواه عنه في البحار 2: 29.
-[ 39 ]-
وإنْ تجاهل الإنسان ذلك كله، وأقام على جهله، غير مُبَالٍ بعاقبته تسامحاً أو عنادًا، فشأنه وما اختار لنفسه، وعمّا قريب يصل إلى النهاية المحتومة، ويكشف الغطاء، وتتجلى الحقيقة، ويخسر المبطلون. و ((لاَ يَنفَعُ نَفساً إيمَانُهَا لَم تَكُن آمَنَت مِن قَبلُ أو كَسَبَت فِي إيمَانِهَا خَيراً قُل انتَظِرُوا إنَّا مُنتَظِرُونَ)) (1).
وفي حديث العيص بن القاسم: "سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: اتقوا الله، وانظروا لأنفسكم، فإنّ أحقّ مَن نظر لها أنتم. لو كان لأحدكم نَفْسَان فقَدَّمَ إحداهما وجرَّب بها استقبل التوبةَ بالأخرى كان، ولكنها نفس واحدة إذا ذهَبَت فقد ذهَبَت والله التوبة..." (2).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الأنعام آية: 158.
(2) وسائل الشيعة:11 / باب: 13 من أبواب جهاد العدو / حديث: 10.
-[ 40 ]-

المبحث الثاني
في وجوب قبول الحق

وهو أمر ينبغي أن يكون مِن الواضحات، فإنّ الأدلة إنما يحتاج إليها مِن أجل وصول الحقيقة والتعرف عليها، ليرتفع عذر المكلف، ولا يبقى له حجة على الله تعالى، وذلك إنما يقتضي الاكتفاء بكل دليل يوصل للحقيقة وينهض بإثباتها، فإذا وصلت الحقيقة للمكلف بأيّ وجْهٍ فُرِض فقد أقام الله تعالى الحجة عليه، وتمت المسؤولية في حقه، ولم يبق له عذر. وما له بعد ذلك إلا التسليم والإذعان.
وليس من حقه حينئذٍ اللجاج والتعنت والعناد والتحكم واقتراح أدلة أخرى.
وليس على الله عزّ وجلّ أن يجيبه إلى ما يريد، وهو الغني عنه وعن إيمانه، القاهر فوقه، القادر على عقابه.
وقد تكرر في الكتاب المجيد الإشارة إلى تحكم المتحكمين وتعنتهم، والردّ عليهم، والاستهوان بهم، والتهديد لهم.
-[ 41 ]-

موقف القرآن الكريم من المتحكمين والمتعنتين

قال الله تعالى: ((وَقَالُوا لَولاَ أُنزِلَ عَلَيهِ آيَاتٌ مِن رَبِّهِ قُل إنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللهِ وَإنَّمَا أنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ)) (1).
وقال سبحانه: ((وَإذَا تُتلَى عَلَيهِم آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرجُونَ لِقَاءَنَا ائتِ بِقُرآنٍ غَيرِ هَذَا أو بَدِّلهُ قُل مَا يَكُونُ لِي أن أُبَدِّلَهُ مِن تِلقَاءِ نَفسِي إن أتَّبِعُ إلاَّ مَا يُوحَى إلَيَّ إنِّي أخَافُ إن عَصَيتُ رَبِّي عَذَابَ يَومٍ عَظِيمٍ)) (2).
وقال عزّ وجلّ: ((وَقَالُوا لَولاَ نُزِّلَ هَذَا القُرآنُ عَلَى رَجُلٍ مِن القَريَتَينِ عَظِيمٍ* أهُم يَقسِمُونَ رَحمَةَ رَبِّكَ نَحنُ قَسَمنَا بَينَهُم مَعِيشَتَهُم فِي الحَيَاةِ الدُّنيَا وَرَفَعنَا بَعضَهُم فَوقَ بَعضٍ دَرَجَاتٍ)) (3).
وقال عزّ اسمه: ((وَإذَا جَاءَتهُم آيَةٌ قَالُوا لَن نُؤمِنَ حَتَّى نُؤتَى مِثلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ اللهُ أعلَمُ حَيثُ يَجعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أجرَمُوا صَغَارٌ عِندَ اللهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمكُرُونَ)) (4)... إلى غير ذلك.

وجوب التثبّت من صحة الدليل

نعم، يحسن بالإنسان بل يجب عليه أن يتثبت عند النظر في الأدلة، ويتأكد من صلوحها للاستدلال، ونهوضها بإثبات المدعى وفق الضوابط العقلية والنقلية، ولا يتسرع في ذلك، ليكون على بصيرة من أمره، وعذر عند ربه.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة العنكبوت آية: 50.
(2) سورة يونس آية: 15.
(3) سورة الزخرف آية: 31ـ32.
(4) سورة الأنعام آية: 124.
-[ 42 ]-
بل يحسن منه أن يبحث عن المزيد منها إن تيسّر، استظهاراً للحقيقة، وزيادة في البصيرة، إذ كلما قويت أدلة الإنسان على ما يعلمه ويعتقد به كان أكثر تشبّثاً به.
وخصوصاً في أمر الدين الحق الذي يتعرض المؤمن فيه للشبهات التي يوحي بها الشياطين، ويثيرها أهل الضلال، وللفتن والبلاء الذي يمحّص به المؤمنون. فإنه كلما كثرت أدلته على دينه، وقويت حجته فيه، وازداد بصيرة في أمره، كان أبعد عن الزيغ والضلال والردة والانقلاب.
بل قد تكون المحن والفتن سبباً في قوة دينه، لأن المؤمن موعود بذلك، فهو يرى به تصديقاً لوعد الله تعالى الذي شرع الدين.
أما ضعيف الإيمان الذي لا بصيرة له في دينه، فإنه لا يقوى على مواجهة الفتن والمحن، بل ينهار أمامها.
قال الله سبحانه وتعالى: ((وَلَمَّا رَأى المُؤمِنُونَ الأحزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُم إلاَّ إيمَاناً وَتَسلِيما)) (1).
وقال عزّ من قائل: ((وَمِن النَّاسِ مَن يَعبُدُ اللهَ عَلَى حَرفٍ فَإن أصَابَهُ خَيرٌ اطمَأنَّ بِهِ وَإن أصَابَتهُ فِتنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجهِهِ خَسِرَ الدُّنيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الخُسرَانُ المُبِينُ)) (2).
وغير خفيٍّ أنّ الاستظهار في الأدلة والاستزادة منها، غيْرُ التحكم في الأدلة والاقتراح والتعنت فيها، الذي هو محل الكلام، والذي كثيراً ما
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الأحزاب آية: 22.
(2) سورة الحج آية: 11.
-[ 43 ]-
يتعمده المتخاصمون تعنّتاً وإباءً للحقيقة واستهواناً بها، وردّاً على الله تعالى الذي فرضها، وأتم حجته عليها، وحمّلهم بذلك المسؤولية إزاءها.
-[ 44 ]-

المبحث الثالث
في عموم حجية العقل

إن الله سبحانه وتعالى كما يحتج على الإنسان بعقله لتعيين الحق والإذعان به، وتصديق من ينبغي تصديقه لصدقه وأمانته، تبعاً لقيام الحجة بذلك، وتمامية الأدلة عليه، كذلك يحتج عليه بعقله لرفض الباطل عند قيام الدليل على بطلانه، وعدم التعويل على من لا ينبغي تصديقه، عند قيام الشواهد على أنه ليس أهلاً لأن يُصدَّق.
فمثلاً: يفترض في الدين أن يكون هو الحقيقة المقدسة المفروضة من خالق الكون المحيط به والمدبر له.
كما يفترض فيمن يؤخذ منه الدين ويصدق عليه أن يكون المثل الأعلى في الأمانة والصدق والواقعية، تبعاً لأهمية الأمانة التي يحملها ويتعرض لها. هذا ما يدركه العقل بفطرته.
فلا معنى بعد ذلك لأن يعتنق الإنسان ديناً وهو يرى أن بعض تعاليمه خرافة لا يمكن تصديقها، أو حيف وجور لا يحسن جعلها، أو يرى التناقض في التعاليم والمعتقدات، بل ينبغي أن يكون إدراكه لهذه الفجوات في دينه محفزاً له على الفحص عن دين آخر متكامل لا فجوة فيه.
-[ 45 ]-
كما لا معنى لأن يُصدَّق على الدين مَن لا يصدَّق على أمور الدنيا، لأنه انتهازيّ أو كذاب أو متهم.
بل ينبغي أن يكون ذلك محفزاً للإنسان على التحري والفحص عن دعاة آخرين، أهل للتصديق والاستئمان بواقعهم وسيرتهم وسلوكهم.
وإلا كان الإنسان مفرّطاً في أمره ومتحملاً مسؤولية موقفه ومغبّته. وهذه حقائق ظاهرة تنفع الإنسان في مسيرته من أجل معرفة الدين الحق والوصول إليه.
وأطرف مِن ذلك أن تبتني بعض الأديان على أنْ يُطْلَب مِن أتباعها اعتناقها وقبول تعاليمها، كأمور غيبية لا يصل إليها العقل، ولا يحق له النظر فيها، ولا نقدها.
مع وضوح أنه لو أمكن ابتناء الدين على ذلك، إلا أنه لا يحسن بالعاقل أن يعتنق الدين المذكور ويؤمن به إلا بعد أن تقوم الأدلة الكافية والحجج القاهرة على صحته، بحيث يضطر العقل السليم للتصديق به والإذعان له، ثم يقبل تعاليمه مهما كانت غامضة أو غريبة.
ولا معنى لاعتناقه وقبول تعاليمه مِن دون دليل على صحته وحقيته.
-[ 46 ]-

المبحث الرابع
فيما يجب معرفته من الدين

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "الإيمان عقد بالقلب، ونطق باللسان، وعمل بالأركان" (1).
وقال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) : "الإيمان معرفة بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان" (2).
والنصوص بذلك عنهما وعن الأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين) بهذه الألفاظ وما يقاربها وبهذه المضامين كثيرة مستفيضة (3).
أما عمل الأركان فهو عبارة عما فرضه الله تعالى على الإنسان من عمل. والذي يتكفل بذلك علم الفقه. ويكفي فيه التقليد، بشروطه المقررة لمَن لا يتيسر له الإطلاع على أدلته تفصيلاً، على ما ذكر في محله.
وأما معرفة القلب والإقرار باللسان فهو ما نبحث عنه هنا.
وتوضيح ذلك: أنه قد أجمع المسلمون على وجوب الاعتقاد بأمور ثلاثة، وهي المدار في الإسلام والكفر.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) بحار الأنوار 69: 71.
(2) نهج البلاغة 4: 50 باب المختار من حكم أمير المؤمنين (عليه السلام) رقم: 227.
(3) بحار الأنوار 69: 18ـ73.
-[ 47 ]-

أصول الدين

الأول: التوحيد.

وهو وجود الله عزّ وجلّ، وانفراده بالخلق والتدبير والربوبية واستحقاق العبادة.

الثاني: النبوة.

وهي نبوة سيدنا (محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم)) ورسالته عن الله تعالى للخلق من أجل تبليغهم بدينه في الأمور الاعتقادية والعملية.

الثالث: المعاد والبعث بعد الموت.

وهو أن الله سبحانه وتعالى يحيي الناس بعد موتهم، ويحاسبهم على عقائدهم وأعمالهم، ويجزيهم على الخير والطاعة الثوابَ، وعلى الشر والمعصية العقابَ.
والأدلة على وجوب الاعتقاد بهذه الأمور الثلاثة متظافرة من الكتاب والسنّة. ومن المعلوم من سيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه كان يدعو الناس للإقرار بهذه الأمور، ويحارب من أجل ذلك. وبها تحقن الدماء، وتثبت حرمة الإسلام. وهي الفارق بين المسلم والكافر.
ومن الطبيعي أن الاستدلال بالكتاب المجيد وسنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسيرته على وجوب هذه الأمور الثلاثة لا يتم إلا بعد ثبوت وجود الله عز وجل ونبوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنما ذكرناه هنا مِن أجل التنبيه على احتمال
-[ 48 ]-
وجوب هذه الأمور، ليجب الاحتياط بالفحص عنها، في مقابل بقية الحقائق الدينية التي لا يجب الفحص عنها مِن أجل الاعتقاد بها حتى لو كانت ثابتة في الدين، كما يأتي توضيحه.
أما الشيعة الإمامية أعزّ الله دعوتهم ورفع شأنهم فقد زادوا على هذه الثلاثة أمرين آخرين، وأوجبوا الاعتقاد بهما، وهما عندهم - في الجملة - شَرْطٌ في الإيمان - زائداً على الإسلام - وفي النجاة مِن النار.

أصول المذهب الحق

الأول: الإمَامَة

وهي إمامة الأئمة الاثني عشر من أهل البيت (صلوات الله عليهم) من بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بلا فصل، بِنَصٍّ مِن الله تعالى.
أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ثم الحسن بن علي، ثم الحسين ابن علي، ثم تسعة من ذرية الحسين، ولداً عن والد، خاتمهم الحجة المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف.
وهم: علي بن الحسين زين العابدين، ثم محمد بن علي الباقر، ثم جعفر بن محمد الصادق، ثم موسى بن جعفر الكاظم، ثم علي بن موسى الرضا، ثم محمد بن علي الجواد، ثم علي بن محمد الهادي، ثم الحسن بن علي الزكي العسكري، ثم خاتم الأئمة محمد بن الحسن القائم المهدي المنتظر (صلوات الله عليهم أجمعين).
-[ 49 ]-

الثاني: العدل.

وهو أنّ الله عزّ وجل عادل لا يمكن أن يظلم العباد، على ما يأتي توضيحه في محله إن شاء الله تعالى.
هذا، وحيث لابد في الاعتقاد بالشيء مِن قيام الدليل المُقْنِع عليه، بحيث يكون الاعتقاد به عن قناعة وبصيرة تامة، لِمَا يأتي مِن حرْمة القول بغير علم، ولِمَا فُطِر عليه العقل مِن عدم حُسن الاعتقاد بالشيء مِن غير دليل. فلابد حينئذٍ مِن النظر في الدليل على ثبوت الأمور الخمسة المذكورة. وهو ما يتكفله هذا البحث إن شاء الله تعالى.
أما بقية الحقائق الدينية فلا يجب تكلُّف البحث عنها وعن أدلتها مِن أجل الاعتقاد بها، لعدم الدليل على ذلك. بل الظاهر عدم القائل به.


رد مع اقتباس