نجمة في حقيبة الفتاة الوسطى
أشجار الجوز المتواشجة فوق حافلة المدرسة المنطلقة في رحلتها الأسبوعية لوَّحت للفتيات المبتهجات ؛ وهنَّ ينظرن من خلال شبابيك الحافلة .
جميع أهل المزارع سمعوا أغاني الفتيات وهنًّ ينتقلن من درب إلى درب عبر الطريق الزاخر بأزهار البابونج الزاهية .
لقد اعتادت المنطقة على استقبال المدارس أسبوعياً ، وتلاميذها في أوج سعادتهم وضجتهم .
أما الفتيات الخمس اللواتي جلسن في المقعد الأخير فكنَّ الأكثر ضجيجاَ ونشاطاً وسروراً ، لكن البنت التي كانت تتوسطهن كانت هادئة تختزن في شرودها بلادة غير معهودة .
وعند كل منعطف كانت الحافلة تموج بالطالبات كقارب تتقاذفه المياه العاتية .
وكانت التلميذات ينتظرن هبوط الحافلة وصعودها عبر الإنحدارات المتتابعة لكي يُعلن أثناء سحق الحافلة لتمايلات الطريق صيحاتهن الهدارة ، ويقفزن مع الحافلة وهنَّ في ذروة جنونهن العابث ، فقط تلك الفتاة كانت تلتصق بمقعدها التصاقاً شديداً كالتصاق الطفل المذعور بأمه .
أخرج التلاميذ حلوياتهم اللذيذة وبدؤوا يلتهمونها بسرعة ، كانت أرضية الحافلة تمتلىء بالنفايات بسرعة ، لكن الفتاة الجالسة في الوسط ظلًّت راكدة في مكانها تتابع وصلة الذهول المفزعة ، كانت تتمسك بحقيبتها كلما ازداد هيجان التلميذات وعلا هديرهن ، وعيناها تلمعان بطريقة مسحورة وهي ترى حقائب زميلاتها تنفتح وتنغلق وتخرج منها الأمشاط وأدوات التجميل والمكسرات وكل شيء فيها .
دمعة مضيئة سقطت من عينها حينما قررت أن تمد يدها لتفتح حقيبتها المسكينة ، كانت خاوية ذابلة ، ليس فيها أية حلويات أو مأكولات ولا صور نجوم السينما ؛ فأمها التي غادرت منذ أمد بعيد إلى مكان تجهله ، لم ترسل لها من هناك سوى نجمة براقة خبأتها الفتاة في حقيبتها .
دمشق - صفوان لبيب بيضون