صفحة : 59-74  

الفصل الثاني

الزهراء البنت الوحيدة لرسول الله

بـدايـة:

1 ـ ليعلم القارئ الكريم: أننا قد نجد الكثير من الأمور التي سجلها البعض في كتبه غير منسجمة مع الحقيقة الإيمانية والإسلامية، أو العلمية، ولكننا نغض الطرف، ونتغاضى عن ذلك كله، لأننا نقر ونعترف بأننا غير قادرين على استقصاء مقولاته، ولأننا لا نجد ضرورة لذلك.. ما دام أن المهم عندنا هو وضع القارئ في دائرة الحذر من أن يأخذ بمقولات هذا البعض من دون تمحيص..

2 ـ كما أن درجة الخلل في ما يقدمه هذا البعض للناس: قد بلغت حداً جعلني لا أغالي إذا قلت: إنني كثيراً ما لا أحتاج إلى أكثر من فتح أي كتاب لأجد الخلل ماثلا أمامي فأبادر إلى تسجيل التحفظ عليه، من دون حاجة إلى بذل جهد كبير في التنقيب والإختيار.

3 ـ بل إن جملة من عناوين هذا الكتاب المختلفة قد اختار أحد الأخوة لي مواردها من كتاب من وحي القرآن بصورة سريعة، لم يحتج معها إلى أكثر من تصفح سريع له.. مع أن هذا الأخ ليس عالماً، ولا يحمل شهادات عالية، وإنما هو إنسان واع سليم الفطرة طاهر الذات مؤمن ملتزم، والملفت هنا: أن هذا الأخ لا يعمل في القطاع الثقافي، ولا يدعي لنفسه شيئاً من العناوين في هذا الإتجاه.

بل هو عامل عادي يمارس لنفسه حرفة يعتاش منها هو وعائلته كأي إنسان صاحب حرفة نافعة في هذا المجتمع الواسع.

وهذا يعطي: أن إدراك خطأ مقولات هذا البعض لا يحتاج إلى التخصص في جامعات الشرق والغرب، فالمكابرة في أمر هذا البعض تصبح غير ذات قيمة، ولا مجال لتبريرها.

4 ـ وبعد كل الذي تقدم.. نقول: إن بعض مقولات هذا الرجل إنما نذكرها لأجل أن نجعل القارئ يتلمس بنفسه كيف أن هذا البعض يسعى لوضع علامات استفهام، وإثارة شبهات، وتغيير الإعتقاد ليس فقط في أبسط الأمور بل وحتى في أمور لا يخطر على بال أحد أنها تدخل في نطاق اهتمامات هذا البعض..

ولعل ما ذكرناه في هذا الكتاب يكفي لإعطاء القارىء التصور الحقيقي الذي يسعى إليه هذا البعض وما يؤسس له.

ولا أريد الإطالة على القارئ الكريم، بل أترك له المجال لمتابعة أقاويل هذا البعض بعيداً عن أية انفعالات تبعده عن متابعة البحث بروح الإنصاف وبوجوب الابتعاد عن العناد، وعن التجني والاعتساف. فإلى ما يلي من صفحات:

591 ـ بعض الناس (!!) يقولون: ليس للنبي بنات غير الزهراء.

592 ـ ظاهر القرآن يؤكد أن للنبي عدة بنات.

563 ـ لو كان للنبي بنت واحدة لم يخاطبه بالجمع «وبناتك».

564 ـ يتحدث القرآن عن واقع لا عن أشياء فرضية.

565 ـ مشهور المؤرخين يقول بتعدد بناته «صلى الله عليه وآله».

سئل البعض:

هل صحيح أن الرسول «صلى الله عليه وآله» كان لديه بنات غير السيدة الزهراء «عليها السلام» من السيدة خديجة «عليها السلام»؟!

فأجاب:

«هناك خلاف حول هذا الأمر، هناك بعض الناس الذين يقولون أن ليس للرسول «صلى الله عليه وآله» من البنات إلا الزهراء «عليها السلام»، وقد أشار إلى ذلك أحد كبار الشعراء أحمد شوقي حين قال:

مـا تـمنى غيرها نسلاً ومن            يـلد الزهراء يزهد في سواها

لكن هناك رأيا آخر يقول: إن للرسول «صلى الله عليه وآله» أربع بنات: زينب زوجة أبي العاص، ورقية وأم كلثوم، يقال تزوجهما عثمان، والزهراء «عليها السلام»، وربما يؤكد هذا البعض قوله: إن الله تعالى تحدث مع النبي «صلى الله عليه وآله» عن بنات ﴿قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ([1])، فهو لم يتحدث عن ابنة واحدة، وإنما تحدث عن بنات، مما يدل حسب رأي هذا الفريق بأن هناك أكثر من بنت لرسول الله «صلى الله عليه وآله»..»([2]).

ثم إن هذا البعض قد بيّن في مورد آخر: أن هذا القول الأخير هو الأصح.. وهو الذي يتبناه.

فقد سئل:

قرأت للشيخ المفيد في «المسائل العكبرية» قوله: إن بنات النبي «صلى الله عليه وآله» أكثر من واحدة، وهنَّ: فاطمة، ورقية، وأم كلثوم، فهل هذا محل وفاق أم يختلف فيه العلماء؟!

فأجاب:

«إن ظاهر القرآن يؤكد ذلك ﴿قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ([3])، فلو لم يكن لديه إلا بنت واحدة، فكيف يخاطبه القرآن بالجمع؟! فهو هنا يتحدث عن واقع لا عن أشياء فرضية، فظاهر القرآن يدل على أن للنبي «صلى الله عليه وآله» أكثر من بنت، ومشهور المؤرخين كذلك، وإن كان بعضهم يقول: إنه ليس لديه بنات سوى الزهراء «عليها السلام»..»([4]).

ثم هو يقول:

«ولكن.. هل كان للنبي «صلى الله عليه وآله» بنات غير فاطمة «عليها السلام»؟!

إن من المعلوم تاريخياً: أنه قد ولد لرسول الله «صلى الله عليه وآله» عدة ذكور، لكنهم ماتوا صغاراً. وأما البنات فمن المعلوم تاريخياً أيضاً، بل المشهور والمتسالم عليه بين محققي الفريقين ومؤرخيهم: أنه كان للنبي «صلى الله عليه وآله» من البنات: زينب، وأم كلثوم، ورقية، وأنهن عشن، وتزوجن.

وإن ذهب شاذ من المعاصرين، تبعاً لشاذ من المتقدمين إلى نفي كون هؤلاء من بنات النبي «صلى الله عليه وآله»، مدعياً أنهن ربائب له.

وهذا من أغرب الآراء، وأعجبها، كونه مخالفاً لصريح القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ([5]).

وسئل:

هل صحيح أن الرسول «صلى الله عليه وآله» كان لديه بنات غير السيدة الزهراء «عليها السلام» من السيدة خديجة «عليها السلام»؟!

فأجاب:

«المشهور: أن للرسول «صلى الله عليه وآله» أربع بنات: زينب زوجة أبي العاص، ورقية، وأم كلثوم، يقال: تزوجتا من عثمان، والزهراء.

وإننا نلاحظ: أن الله تعالى تحدث مع النبي «صلى الله عليه وآله» عن بنات ﴿قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ([6]). فلم يتحدث عن ابنة واحدة، وإنما تحدث عن بنات، ما يدل على أن هناك أكثر من بنت لرسول الله «صلى الله عليه وآله»..»([7]).

وقفة قصيرة:

ونقول:

1 ـ إن ما استدل به هذا البعض لا يمكن قبوله، حيث إنه هو نفسه يصرح: بأن القرآن إنما يتحدث عن العناوين العامة، ولا يدخل في التفاصيل.

وقد وجدنا: أن القرآن حين أثبت الولاية لأمير المؤمنين «عليه الصلاة والسلام»، قال: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ([8]).

وهذه الآية قد نزلت في خصوص أمير المؤمنين «عليه الصلاة والسلام» حينما تصدق بخاتمه على الفقير، وكان ذلك منه «عليه السلام» في حال ركوعه في صلاته، وقد ثبت ذلك بالروايات المعتبرة والصحيحة التي رواها المسلمون في كتب تفاسيرهم، وفي مجاميعهم الحديثية وغيرها..

وقد لاحظنا: أنه سبحانه قد جاء بصيغة الجمع، فقال: ﴿وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾. ولم يقل الذي آمن وأقام الصلاة وآتى الزكاة وهو راكع مع أنه لا يقصد سوى فرد واحد بعينه، وخصوص واقعة معروفة ومحددة.

ولو صح ما ذكره هذا البعض لكان لا بد من القول: إن المقصود هو أشخاص كثيرون، ولا ينحصر الأمر بعلي «عليه السلام» إلا أن يدعي أيضاً: أن هذه الآية لم تنزل في إمامة أمير المؤمنين علي «عليه السلام»، كما ادعى أن آية: ﴿أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾..([9]). لم تنزل في الأئمة الإثني عشر.. وقد ذكرنا طائفة من الآيات التي دلّت النصوص المروية من طرق الشيعة، والسنة على نزولها في علي، وأهل البيت «عليهم السلام»، لكن هذا البعض ينكر ذلك، فراجع ما ذكرناه في هذا الكتاب بفصوله المختلفة.

2 ـ إن الله سبحانه في آية المباهلة يقول: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ([10]).

فقد قال: ﴿وَنِسَاءَنَا﴾ بصيغة الجمع، مع أن المقصود هو خصوص الزهراء «عليها السلام»، وهي فرد واحد. وقد دلت بالآية النصوص الكثيرة التي رواها السنة والشيعة على أنها هي المقصودة..

ومن يدري فلربما يأتي الوقت الذي ينكر فيه هذا البعض حتى هذا الأمر أيضاً.. وإن غداً لناظره قريب.. كما أنه سبحانه قال: ﴿أَبْنَاءَنَا﴾ ويقصد بذلك الحسن والحسين ـ «عليهما السلام» ـ وهما اثنان فقط.

3 ـ كما إنه تعالى يقول: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ([11]) والمقصود هم المعصومون منهم دون سواهم، من ذوي قرباه «صلى الله عليه وآله».

4 ـ وقال: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ([12]) ويقصد الخمسة أصحاب الكساء، دون كل من عداهم من أهل بيته«صلى الله عليه وآله» إذ لا شك في عدم دخول العباس وابنائه وعقيل وجعفر وو.. نعم إن هؤلاء جميعاً غير داخلين في المراد من الآية فضلاً عن نسائه صلى الله عليه وآله.

وأما بالنسبة لبقية الأئمة الإثني عشر صلوات الله وسلامه عليهم فقد جاء في الروايات عن أهل بيت العصمة أنهم داخلون في المراد من الآية أيضاً.

5 ـ فقوله تعالى: ﴿وَبَنَاتِكَ([13]) أيضاً يقصد به خصوص الزهراء «عليها السلام» إذ قد دل الدليل على عدم وجود بنات للنبي «صلى الله عليه وآله» سواها.

وقد ذكرنا طائفة من هذه الأدلة في كتابنا: «بنات النبي «صلى الله عليه وآله» أم ربائبه».

ومن هذه الأدلة:

1 ـ النصوص التي ذكرت: أن أبناء رسول الله «صلى الله عليه وآله» ومنهم فاطمة «عليها السلام» قد ولدوا بعد البعثة([14]).

2 ـ إن سورة الكوثر قد نزلت بعد موت أبناء رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وقول العاص وغيره: قد انقطع نسله، فهو أبتر، فمات القاسم أولا، ثم مات عبد الله([15]) وحين مات القاسم كان عمره سنتين، وهو أكبر ولده، وقيل عاش حتى مشى([16]).

وقد مات القاسم بعد النبوة كما تدل عليه الأحاديث والنصوص([17]).

وكانت فاطمة «عليها السلام» هي آخر من ولد لرسول الله «صلى الله عليه وآله» ([18]).

وذلك كله يدل على أنه لم يكن له «صلى الله عليه وآله» بنات تزوجن في الجاهلية بأبناء أبي لهب ثم طلقوهن، ثم لما بعث رسول الله «صلى الله عليه وآله» تزوجت إحداهن من عثمان، وهاجرت معه في السنة الخامسة إلى الحبشة.

3 ـ إن هناك أقوالاً في تاريخ زواج خديجة برسول الله، لا يمكن معها القول بأنها قد ولدت له بنات وكبرن، وتزوجت اثنتان منهن بابني أبي لهب، ثم لما بعث «صلى الله عليه وآله»، طلقتا منهما، وتزوجتا بعثمان..

حيث قيل: إن خديجة «عليها السلام» قد تزوجت برسول الله «صلى الله عليه وآله» قبل البعثة بخمس سنين([19]).

وقيل: قبلها بثلاث سنين([20]).

4 ـ إن إحدى هاتين البنتين هي أم كلثوم ـ التي يدَّعون أنها بعد أن طلقت من ابن أبي لهب ـ قبل الدخول ـ!! بقيت عزباء إلى أن تزوجها عثمان أيضاً بعد موت أختها بعد الهجرة بمدة.

والملفت: أننا لا نجد لها ذكراً في جملة النساء اللواتي هاجرن مع علي، بوصية من رسول الله «صلى الله عليه وآله».. بل ذكرت الفواطم، وأم أيمن، وجماعة من ضعفاء المؤمنين([21]).

5 ـ وهناك رواية ذكرها أبو القاسم الكوفي مفادها: أن زينب ورقية كانتا بنتين لزوج أخت خديجة من امرأة أخرى، فمات التميمي وزوجته، وبقيت الطفلتان، فضمتهما خديجة إليها، فهما ربيبتا خديجة ورسول الله «صلى الله عليه وآله» ([22]).

6 ـ ذكر ابن شهرآشوب: أن زينب ورقية كانتا «ابنتي هالة أخت خديجة» كما في كتابي الأنوار والبدع([23]).

وقال ابن شهرآشوب أيضاً: «..وفي الأنوار، والكشف واللمع، وكتاب البلاذري: أن زينب ورقية كانتا ربيبتيه من جحش»([24]).

7 ـ على أن من يدعي: أن للنبي بنات غير فاطمة فإنما يقول: إنهن بناته «صلى الله عليه وآله» من خديجة.. مع أن خديجة حسبما تؤيده الشواهد والأدلة قد تزوجها رسول الله «صلى الله عليه وآله» بكراً، ولم تكن قد تزوجت من أحد قبله «صلى الله عليه وآله».

ويدل على ذلك عدة أمور:

ألف: تناقض الروايات حول هذا الزوج المزعوم، وتاريخ هذا الزواج، وكم ولدت؟! ومن ولدت له؟!([25]).

ب: إن التي تمتنع من الزواج بأشراف قريش، لا تتزوج أعرابياً من بني تميم، ولو فعلت ذلك لعيرت به([26]).

وهذا البعض قد استدل بتعيير العرب على نفي ضرب الزهراء «عليها السلام»، المتواتر تاريخياً، فلماذا لا يستدل به على نفي تزوج خديجة من أعرابي؟!

ج: قال ابن شهرآشوب: روى أحمد البلاذري، وأبو القاسم الكوفي في كتابيهما، والمرتضى في الشافي، وأبو جعفر في التلخيص: أن النبي «صلى الله عليه وآله» تزوج بها، وكانت عذراء.

يؤكد ذلك: ما ذكره في كتابي الأنوار والبدع: أن رقية وزينب كانتا ابنتي هالة، أخت خديجة([27]).

8 ـ قد روي عن أبي الحمراء عن النبي «عليه الصلاة والسلام» قوله:

«يا علي، أوتيت ثلاثاً، لم يؤتهن أحد ولا أنا. أوتيت صهراً مثلي، ولم أؤت أنا مثلي.

وأوتيت صديقة مثل ابنتي، ولم أوت مثلها (زوجة).

وأوتيت الحسن والحسين من صلبك، ولم أوت من صلبي مثلهما، ولكنكم مني، وأنا منكم»([28]).

وقريب منه ما روي عن أبي ذر، مرفوعاً([29]).

فلو كان ثمة من صاهر رسول الله غير علي، لم يصح قوله «صلى الله عليه وآله»: «أوتيت صهراً مثلي، ولم أوت أنا مثلي..» لا سيما وأن هذا الكلام قد جاء بعد ولادة الحسنين «عليهما السلام».

9 ـ وفي صحيح البخاري: أن رجلاً حاول أن يسجل إدانة لعثمان ولعلي على حد سواء، فتصدى لابن عمر يحرضه على الخروج كما خرج غيره، فرفض.. فطلب منه أن يخرج ليصلح بين طائفتين من المؤمنين اقتتلوا.. فيقاتل التي تبغي.. وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة، فرفض أيضاً.

فقال له: فما قولك في علي وعثمان؟!

قال: أما عثمان فكان الله قد عفا عنه، وأما أنتم فكرهتم أن تعفوا عنه.

أما علي، فابن عم رسول الله «صلى الله عليه وآله» وختنه، وأشار بيده، فقال: وهذا بيته حيث ترون([30]).

فنلاحظ: أن دفاع ابن عمر عن عثمان، قد اقتصر على أنه حين فر يوم أحد قد عفا الله عنه، لكن الخارجين عليه لم يعفوا عنه، بل قتلوه..

ولم يذكر أنه صهر رسول الله، أو نحو ذلك..

أما بالنسبة لأمير المؤمنين «عليه السلام» فقد وصفه بأنه ابن عم رسول الله، وصهره وكون بيته ضمن بيوت رسول الله «صلى الله عليه وآله»..

فلو كان عثمان صهراً لرسول الله «صلى الله عليه وآله» لكان على ابن عمر أن يستدل به أيضاً، كما استدل به بالنسبة لأمير المؤمنين «عليه السلام» لأنه بصدد الإستدلال بكل ما يساعد على دفع التهمة عن عثمان.. فلا معنى لترك الإستدلال القوي الدال على ثقة رسول الله به، والتمسك بدليل ضعيف وسخيف.

لأن العفو عن الفارين يوم أحد كان مشروطا بالتوبة.. وهذا إنما يشمل الذين عادوا مباشرة بمجرد معرفتهم بسلامة رسول الله، لا بالنسبة لمن لم يعد من فراره إلا بعد ثلاثة أيام.

ولو سلمنا: أن الله قد عفا عنه.. فلا يلزم من ذلك لزوم عفو الناس عنه أيضاً، بعد أحداثه التي ارتكبها بحقهم.

بل إن عفو الله سبحانه في أحد بهدف التأليف والتقوية في مقابل العدو، لا يلزم منه عفوه عنه بعد ذلك إذا كان قد ارتكب في حق المسلمين ما يوجب العقاب فضلاً عن أن يوجب ذلك عفو الناس.

10 ـ وأخيراً.. فإننا نلفت النظر إلى أن هذا البعض قد اعترف بأن خطبة الزهراء «عليها السلام» في المهاجرين والأنصار موثوقة وهو بنفسه أيضاً قد شرح هذه الخطبة، وقد جاء فيها إشارة إلى حقيقة أن الزهراء كانت هي البنت الوحيدة لرسول الله «صلى الله عليه وآله» حيث قالت «عليها السلام»: «فإن تعزوه وتعرفوه تجدوه أبي دون نسائكم، وأخا ابن عمي دون رجالكم، ولنعم المعزى إليه».

ولو كانت زوجتا عثمان ابنتين لرسول الله «صلى الله عليه وآله» لكان عثمان اعترض، وقال: إن رسول الله كان أبا لزوجتيّ رقية وأم كلثوم، وكذلك كان زوج زينب..

والغريب: أن هذا البعض يعلق على هذه الفقرة بقوله:

«تجدوه أبي دون نسائكم، فأنا ابنته الوحيدة، ولم تقتصر على الحديث عن نفسها إلخ..»([31]).

وقال: «قد قلنا: إن لرسول الله عدة بنات، كما هو وارد في كتب التاريخ، وكما يظهر من القرآن، لكنه ميز ابنته فاطمة «عليها السلام» عن أخواتها»([32]).

ونقول:

إن ذلك لا يصحح قولها: «كان أبي دون نسائكم..»، لأنها في مقام إثبات الفضل والتميز..

وفي الختام نقول:

 إنه قد يكون ثمة بنات قد ولدن لرسول الله «صلى الله عليه وآله» وسماهن زينب ورقية وأم كلثوم، لكنهن متن وهن صغار.

حتى وصفه العاص بالأبتر ونزلت سورة الكوثر.. وصدق الله سبحانه له وعده وولدت الزهراء، وأعطاه الكوثر، هذا بالإضافة إلى وجود ربيبات له «صلى الله عليه وآله» اسمهن أيضاً: زينب، ورقية، وأم كلثوم. ثم تزوج عثمان باثنتين من تلك الربائب، وتزوج أبو العاص بن الربيع بالثالثة، غير أن ما يلفت نظرنا هو أن هذا البعض يصر على وجود بنات أخريات لرسول الله «صلى الله عليه وآله» سوى الزهراء «عليها السلام»؟!

فهل إن ذلك يدخل في نطاق الغيرة على الحقيقة التاريخية؟! خصوصاً تلك التي تؤدي إلى إسداء خدمة لعثمان بن عفان، حيث ينال بذلك فضيلة جليلة، تفيده في تأكيد صلاحيته لمقام خلافة النبوة، ودفع غائلة الحديث عن اغتصابه هذا الموقع من صاحبه الحقيقي، وفقاً للنص الثابت بالأدلة القطعية، والبراهين الساطعة والجلية؟!

ويزيد تعجبنا حين نعرف أن هذا البعض يشترط اليقين في الأمور التاريخية، وبديهي: أن مجرد وجود ظاهر لفظي لا يفيد اليقين. كما أن الشهرة بين المؤرخين لا تفيده.. ولا ندري كيف يشترط ذلك الشرط، ويستدل بهذه الأدلة؟!!!


([1]) الآية 59 من سورة الأحزاب.

([2]) الزهراء المعصومة ص39 و 40.

([3]) الآية 59 من سورة الأحزاب.

([4]) الندوة ج5 ص481.

([5]) الآية 59 من سورة الأحزاب.

([6]) الآية 59 من سورة الأحزاب.

([7]) المصدر السابق ص350.

([8]) الآية 55 من سورة المائدة.

([9]) الآية 59 من سورة النساء.

([10]) الآية 61 من سورة آل عمران.

([11]) الآية 23 من سورة الشورى.

([12]) الآية 33 من سورة الأحزاب.

([13]) الآية 59 من سورة الأحزاب.

([14]) راجع: البدء والتاريخ ج5 ص16 وج4 ص139 ونسب قريش ص21 والمواهب اللدنية ج1 ص196 وتاريخ الخميس ج1 ص272 ومجمع الزوائد ج9 ص217 وذخائر العقبى ص152 والبداية والنهاية ج12 ص294 والإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج4 ص281 والروض الأنف ج1 ص214 و 215 والسيرة الحلبية ج3 ص308.

([15]) راجع مصادر ذلك في كتابنا بنات النبي أم ربائبه ص44 ـ 46.

([16]) راجع المصدر السابق ص47 ـ 50.

([17]) راجع تاريخ اليعقوبي ج2 ص32 والروض الأنف ج1 ص214 و 215.

([18]) راجع: مختصر تاريخ دمشق ج2 ص263 و 264 وراجع: الدر المنثور ج6 ص404 والسيرة الحلبية ج3 ص308 وراجع: الوفاء ص655 ومصادر أخرى في كتابنا: بنات النبي أم ربائبه ص44  و 59 حتى 62.

([19]) الأوائل ج1 ص161.

([20]) راجع: سيرة مغلطاي ص12 عن ابن جريج، وراجع: مجمع الزوائد ج9 ص219  والأوائل ج1 ص161.

([21]) السيرة الحلبية ج2 ص53.

([22]) راجع: الإستغاثة ج1ص 68 و 69 ورسالة مطبوعة طبعة حجرية مع كتاب مكارم الأخلاق ص6.

([23]) راجع: مناقب آل أبي طالب ج1 ص159 وبحار الأنوار، وقاموس الرجال، وتنقيح المقال، كلهم عن المناقب.

([24]) مناقب آل أبي طالب ج1 ص162.

([25]) راجع: بنات النبي  «صلى الله عليه وآله»  أم ربائبه ص89 و 90.

([26]) راجع: الإستغاثة ج1 ص70.

([27]) مناقب آل أبي طالب ج1 ص159 وعنه في بحار الأنوار، وتنقيح المقال، وقاموس الرجال.

([28]) إحقاق الحق (قسم الملحقات) للمرعشي النجفي ج5 ص74 وج4 ص444 عن المناقب لعبد الله الشافعي (مخطوط) ص50 وعن مناقب الكاشي (مخطوط أيضاً) ص72 والحديث موجود أيضاً في كتاب: نظم درر السمطين للزرندي الحنفي ص114 ولا بأس بمراجعة ص113 ومراجعة مقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص109.

([29]) ينابيع المودة ص255 وإحقاق الحق (قسم الملحقات) ج7 ص18.

([30]) صحيح البخاري (ط سنة 1309هـ) ج3 ص68.

([31]) الزهراء القدوة.

([32]) الزهراء القدوة ص285.

 
   
 
 

موقع الميزان