صفحة : 39-58

الفصل الأول

 مقولات متناقضة حول الزهراء

بـدايـة:

إن الملفت هنا هو: أن هذا البعض قد نقض كلامه، واختلفت أقاويله حول الزهراء «عليها السلام» في أكثر من مورد.. ولا يمكن عد ذلك تراجعاً عن أقاويله السابقة، ما دام أنه لم يعلن أن ما سبق كان خطأ، وأنه قد امتنع عن الالتزام به، بل إن ذلك أيضاً لا ينفع إذا لم يتم إعلام الناس بأن الطبعات التي تتناقض فيها المطالب والآراء، ليس كل ما فيها صحيحاً.. خصوصاً فيما يرتبط بكتابه المسمى بـ «من وحي القرآن» لجهة أنه كان قد أعلن في سفره للحج في سنة سابقة:

«أن كل ما فيه بكلا طبعتيه (طبعة دار الزهراء، وطبعة دار الملاك) صحيح..».

غير أنه لما ظهرت الطبعة الثانية، ظهرت التناقضات فيما بينها وبين سابقتها.. ولا يزال هو المطالب بالإجابة على سؤال: هل يمكن الالتزام بالرأيين المتناقضين في آن واحد.. وهل يمكن القول بأن جميع ما ورد في الطبعتين صحيح؟

ومهما يكن من أمر فإننا نذكر من تناقضاته الكثيرة هنا ما يلي:

575 ـ تارة يقول: إن آيات إرث سليمان لداود ويحيى لزكريا ناظرة لإرث الموقع.

576 ـ وأخرى يقول: إنها تتحدث عن إرث المال.

فأي هذين هو الصحيح.

قال في كتاب من وحي القرآن عن آيات ارث سليمان لداود، وعن قول زكريا: ﴿فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ([1]).

«إن المقصود بهما هو ارث الموقع لا المال».

«فلا دلالة لهما على إرث الزهراء «عليها السلام» لفدك..».

ثم قال عن هذه الآيات بالذات في كتاب الزهراء القدوة([2]).

«إنها تتحدث عن إرث المال..».

577 ـ تارة يقول: عرف قبر الزهراء «عليها السلام».

578 ـ وأخرى يقول: لم يعرف.

وكذلك الحال بالنسبة لمعرفة قبر الزهراء «عليها السلام» فإنه كان قد ادعى أنه قد عرف وذلك في شريط معروف ومسجل بصوته.

وهذا الشريط هو الذي كان السبب في تنبه العلماء لحقيقة ما يجري وأثار نقدهم لمقولاته وألفت نظرهم لمخالفاته.

ولكنه عاد فقال:

«إن قبرها لا يزال غير معروف»([3]).

579 ـ العصمة إجبارية..

580 ـ العصمة لا تسلب الاختيار.

وإذا قارنا بين أقواله حول العصمة فنجدها متضاربة ومتناقضة، فإنه تارة يطلق كلامه ويقول:

 «إنها على نحو الإجبار، سواء في عصمة الأنبياء، أو الأئمة، أو الزهراء «عليهم السلام»..».

وأخرى يقول:

بل هي إجبارية في ناحية المعاصي فقط، وقد تحدثنا عن هذا الأمر أكثر من مرة..

وثالثة: يتراجع عن ذلك حيث يتحدث أخيرا عن عصمة السيدة الزهراء «عليها السلام» ويقول:

«إن الله قد أودع فيهم عناصر القداسة والروحانية والعلم، لكن هذا لا يستلزم سلبهم الاختيار»([4]).

581 ـ الزهراء رضيت عن الشيخين.

582 ـ الزهراء لم ترض عنهما.

وكان قد قال:

«إن الشيخين قد جاءا إلى الزهراء فاسترضياها فرضيت..».

ولكنه عاد أخيراً ليعلن في كتاب جديد يقول عنه:

«إنه يمثل كل فكري في سيدة نساء العالمين»، «إنها لم ترض عنهما حينما جاءا لاسترضائها»([5]).

فأي ذلك هو الصحيح؟!

583 ـ تناقضه في تفسير كلمة: وإن.

وكان قد قال:

«قيل للثاني لما جمع الحطب، وأراد إحراق بيت الزهراء «عليها السلام»: إن في الدار فاطمة!!

فقال: وإن..

إن معنى هذه الكلمة: أنه وإن كانت فيها فاطمة، فنحن لا شغل لنا بها، نحن جئنا لاعتقال علي فقط..».

لكنه عاد أخيراً، فسجل في كتاب يقول:

«إنه يمثل كل فكره عن الزهراء «عليها السلام».. إن معنى هذه الكلمة: أنه لا مقدسات في هذا البيت، فلا مانع من أن يحرق على أهله»([6]).

ومن تناقضاته التي نحب إلقاء المزيد من الأضواء حولها.. الموارد التالية:

584 ـ المباهلة أسلوب تأثير نفسي للإيحاء بالثقة.

585 ـ المباهلة لا تدل على فضل الزهراء «عليها السلام»، بل تدل على أن أباها كان يحبها.

586 ـ المباهلة تدل على عظيم فضل الزهراء.

ورغم أن هذا البعض كان قد قرر: أن المباهلة بالزهراء وبعلي والحسنين، إنما تدل على أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد جاء بأحب الناس إليه. وأنه على استعداد للتضحية حتى بابنته وولديها، وبابن عمه في سبيل هذا الدين، فلا دلالة فيها على عظيم ما لهم من فضل.

لكنه بعد أن واجه الاعتراضات عاد وقال في كتابه الذي حاول تلطيفه قدر الإمكان:

«من هنا كانت الآية الشريفة دليلا بينا على عظمة أهل البيت ـ بمن فيهم سيدتنا فاطمة «عليها السلام»، ومنزلتهم الرفيعة عند الله وعند رسوله «صلى الله عليه وآله»..».

فإذا كانت آراؤه لم تتغير منذ ثلاثين سنة، فهل هذا الرأي أيضاً منها؟! وإن كان ملتزماً بآرائه كلها كما يقول، فهل يلتزم هنا بكلا الرأيين المتناقضين؟! وإذا كان أحدهما خطأ فلماذا لم يشر إليه، ويدلنا عليه؟!

ويلاحظ هنا: أن هذا البعض إن صح أنه قد تراجع عن عدد يسير جدا من آرائه، ربما لا يصل إلى عدد أصابع اليد أو اليدين.. فإن ذلك إنما جاء في الموارد غير الأساسية، وغير الحساسة، وهي تلك التي لا يحدث تراجعه عنها أي ضرر في التصور العام، وفي الهيكلية العامة التي رسمها للإسلام الذي يريد أن يحمل الناس عليه، بطريقة أو بأخرى..

وقد قلنا: إننا نشك في أن تكون هذه الموارد اليسيرة داخلة في دائرة التراجع والتصحيح، إذ إننا نحتمل:

1 ـ أن تكون قد جاءت لتهدئة الجو العام والسيطرة عليه مع يقينه بأن الناس سوف يعرفون حقيقة رأيه بعد هدوء العاصفة، حيث إنه قد احتفظ به مكتوبا أو مسجلا في المواقع الأخرى، ولم يرض بتحريك أي حرف منه من موقعه.. بل لقد سجل أنه ملتزم بكل فكرة قالها منذ عشرات السنين.

الأمر الذي يفسره المفسرون، على أن كلامه الأخير، إنما هو انحناء أمام العاصفة، لا أكثر..

2 ـ إن بعضاً من تناقضاته قد نشأت عن كونه لم يدقق في ما يلقيه على الناس من كلام.. فيكون داخلا في نطاق إلقاء الكلام على عواهنه، وبصورة عفوية وارتجالية، فيقول هنا شيئاً ثم ينساه ليقول هناك ما يناقضه ويخالفه..

وعلى كل حال.. فإن ما ذكره هذا البعض في كتابه من وحي القرآن في الطبعة الأولى.. من أن النبي قد أشرك أهل بيته في المباهلة كأسلوب من أساليب التأثير النفسي ليوحي لهم بثقته بما يدعيه، لا يمكن قبوله رغم تصريحه بصحة كل ما جاء في تلك الطبعة.. نعم انه مرفوض لأنه يعني: أن قضية المباهلة لا ترقى إلى مستوى الجدية الحقيقية.

كما أن إيحاءه بأن القضية لا تزيد عن كونها مبادرة شخصية من رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وليست قرارا إلهيا، وتدبيرا ربانيا، يعطي الدلالة القاطعة على ما لأهل البيت من مقام وفضل وكرامة عند الله تعالى.

إن كلامه هذا ـ لا يمكن قبوله منه بأي وجه، وقد صرحت الآية الكريمة بأن الله سبحانه هو الذي أمره بإخراج هؤلاء بالذات للمباهلة، فهي تقول: ﴿فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ..([7]).

587 ـ تارة ينكر وجود خصوصيات غير عادية في الزهراء.

588 ـ وأخرى يثبت.

589 ـ تارة يقول: لا يوجد عناصر غيبية في شخصيتها.

590 ـ وأخرى يقول: هناك عالم من الغيب في شخصيتها.

قد ذكر البعض في كتابه تأملات إسلامية حول المرأة: كلاماً حول الزهراء، وزينب وخديجة، ومريم، وآسية بنت مزاحم عليهن السلام.

ونفى أن تكون هناك أية خصوصية غير عادية في شخصياتهن إلا الظروف الطبيعية التي كفلت لهن النمو الروحي، والعقلي، والإلتزام العملي..

وحين ثارت الاعتراضات على هذا الكلام، أصر ولا يزال مصراً على إبقائه على ما هو عليه، ولم يغير فيه حتى الآن أية كلمة..

وبدأ يشيع بين الناس: أن مراده صحيح وسليم، ولكن الآخرين إما لم يفهموا مراده، أو أنهم قد فهموه ولكنهم تعمدوا صرفه عن ظاهره..

بل صار يمارس ضغوطا غير عادية، ويهاجم الآخرين بشراسة وقسوة، من أجل إلزامهم بصحة أقواله في كتابه تأملات إسلامية، وصار يوجه لهم الاتهامات، ويعلن بالتجريح ثم التظلم (!!)، وما إلى ذلك..

ولعل أخف عباراته حدة هو ما سجله في الكتاب الذي يقول عنه: إنه يمثل كل فكره حول السيدة الزهراء. فهو يقول:

«ولئن بقي هذا البعض يصر، ورغم كل كلماتنا وصراحتها في تقديس السيدة الزهراء «عليها السلام» وتعظيمها، وبيان عصمتها.. ورغم كثرة محاضراتنا وتنوعها منذ أكثر من خمسين سنة في شأن أهل البيت «عليهم السلام»، على تقويلنا ما لم نقله، وتحميل كلامنا ما لا يحمله في شأن سيدتنا الزهراء «عليها السلام» وعصمتها، أو في شأن ولاية سيدنا أمير المؤمنين «عليه السلام» التي أكدها ونص عليها النبي الأمين «صلى الله عليه وآله» في مواضع عديدة أبرزها في غدير خم، فإننا ندعو الله لهم بالهداية إن كان لا يزال عندهم قابلية ذلك، وإلا فحسابهم على الله، ولنا معهم موقف يوم القيامة، يوم يقوم الناس لرب العالمين الذي لا يغادر صغيرة أو كبيرة إلا أحصاها في كتاب، وسيكون الحساب بمحضر جدنا رسول الله «صلى الله عليه وآله» وجدنا أمير المؤمنين «عليه السلام» وجدتنا الصديقة الزهراء «عليها السلام»، ونرى لمن يكون الفلج في ذلك اليوم»([8]).

فقد ضمن كلامه هذا..

1 ـ اتهاماً للآخرين بأنهم يقوّلونه ما لم يقله، وتحميل كلامه ما لم يحمله.

2 ـ ادعى لنفسه أن كل كلماته صريحة في تقديسه للزهراء، وتعظيمها، وبيان عصمتها..

3 ـ ادعى مثل ذلك أيضاً بالنسبة لولاية أمير المؤمنين «عليه السلام».

4 ـ إظهار أن منتقديه لا يسيرون في صراط الهداية.

5 ـ أنه رجل متسامح، يدعو حتى لمن يفترون عليه بالهداية؟!

6 ـ أنه مطمئن إلى أن الفلج له يوم القيامة.

7 ـ وأخيراً تعابيره بجدنا النبي، وجدنا علي، وجدتنا الزهراء.. ربما من أجل استدرار عطف الناس في مثل هذه المواقف، وربما لأسباب أخرى. لاسيما مع ملاحظة نظرته إلى الأنساب حيث تجده ليس فقط لا يهتم للإنتساب إلى الرسول، بل هو يجهر بعدم القيمة لها، ولا يرغب بإعطائها أهمية تذكر حتى إنه حين سئل عن نظرتة إلى لقبي السيد والأديب بالنسبة إليه نجده قد رجح لقب الأديب عليه، فقد سئل: أيهما تفضلون؟ لقب السيد أم لقب الأديب؟‍‍‍!

فقال:

«لقب السيد ورثته أما لقب الأديب فقد صنعته. ولذا فمع كل اعتزازي بلقب السيد فأنا أكثر اعتزازاً بلقب الأديب»([9]).

 فاستخدامه لهذه اللغة هنا ما هو إلا دليل ضعفه وإنكار مقولاته، فأراد أن يستفيد من محبة المؤمنين لأهل البيت، ويؤثر على مشاعرهم عن هذا الطريق.

ثانياً: إن المهم هنا هو الالتفات إلى: أن هذا البعض لم يحرك أية كلمة من مكانها.. ولم يغير، ولم يبدل شيئاً مما قاله.. بل احتفظ به.. حتى وهو يعلن على الملأ ما يناقضه ويخالفه.. ولعله.. ليبقى الباب مفتوحا أمام الاعتذار الذي قاله في إذاعة تابعة له:

 إن ما كتبه في رسالته لجعفر مرتضى إلى قم، والتي تضمنت تراجعاً عن مقولاته في السيدة الزهراء ـ «عليها السلام» ـ إنما كانت لدرء الفتنة، واستجابة لمطلب ناصحيه.. وإلا فهو لم يزل ولا يزال على موقفه السابق، ولن يتراجع عنه..

وهذه السياسة بالذات هي التي لم يزل يمارسها في كل ما اعترضنا به عليه.. فإنك تجده يعلن بخلافه، ولكن بأسلوب:

1 ـ إن هذا الرأي المناقض والمخالف هو نفس ذلك الذي يخالفه ويناقضه، ومن لا يقبل بذلك، فهو واقع تحت تأثير المخابرات، أو أنه يفهم الأمور بغرائزه، أو أنه بلا دين، وبلا تقوى.. وما إلى ذلك!!

2 ـ إنه يحتفظ بالرأيين المتخالفين، أو المتناقضين معاً، ولا يغير ولا يبدل شيئاً.. بل يصرح بصحة كل ما قاله وكتبه طيلة عشرات السنين..

3 ـ إنه يصرح بأن كل ما ينسب إليه مكذوب عليه بنسبة 99،99 بالمئة. أو أنه مكذوب بنسة 90 بالمئة، والباقي محرف.

ثالثاً: إن ما ذكره في كتابه تأملات إسلامية حول المرأة لا يصح توضيحه بما وضحه به، وذلك لوجود تنافر ظاهر بين الكلامين. فإن كان قد تراجع عن كلامه حقا، فليحذفه من كتابه ذاك، وليصرح بأنه قد عدل عما جاء في طبعته الأولى..

ولا نريد أن نفيض في الحديث عن ذلك، بل نكتفي بذكر ثلاث مقارنات:

المقارنة الأولى:

إنه يقول في النص الأول:

«إذا كان بعض الناس يتحدث عن بعض الخصوصيات غير العادية في شخصيات هؤلاء النساء، فإننا لا نجد هناك خصوصية إلا الظروف الطبيعية التي كفلت لهن إمكانات النمو الروحي والعقلي والإلتزام العملي بالمستوى الذي تتوازن فيه عناصر الشخصية بشكل طبيعي، في مسألة النمو الذاتي»([10]).

ثم هو قد شرحه بقوله الآتي:

«لا ريب أن هناك ظروفاً طبيعية قد كفلت النمو الروحي والعقلي للسيدة الزهراء «عليها السلام» وغيرها من النساء الجليلات وذلك مثل تربية النبي «صلى الله عليه وآله» لها، وتربية زكريا لمريم «عليها السلام»، ولكن إلى جانب ذلك هناك اللطف الإلهي الذي كساها بالطهارة والقدسية، وخصها ببعض الكرامات، وهي ما زالت جنيناً في بطن أمها([11]) وأكرمها بنزول الملك عليها([12])»([13]).

والسؤال هو:

أولاً: إن النص الأول، قد أنكر وجود خصوصيات غير عادية في شخصيات تلك النسوة.. فهل كون الزهراء نوراً كما اعترف به، وهل حديثها مع أمها، وهي لا زالت جنيناً في بطنها لا يعتبر خصوصية غير عادية في شخصيتها؟!

ثانياً: إن هذا البعض قد ذكر أن مثل تربية النبي للزهراء، وتربية زكريا لمريم هو المقصود من الظروف الطبيعية..

والسؤال هو:

إذا كان زكريا قد ربى مريم، ورسول الله «صلى الله عليه وآله» قد ربى الزهراء، فمن الذي ربى خديجة بنت خويلد، ومن الذي ربى آسية بنت مزاحم، فإنه قد ذكرهما مع الزهراء أيضاً..

ثالثاً: قد ذكر: أن هذه الظروف الطبيعية التي هي مثل تربية النبي وزكريا كان الى جانبها اللطف الإلهي الذي كساها بالطهارة وبالقدسية وخصها ببعض الكرامات..

والسؤال هو:

هل يلتزم بمثل ذلك في أمر السيدة خديجة؟ وكذا بالنسبة للحوراء زينب «عليها السلام»، اللتين لم تكونا مشمولتين لآية التطهير، ولا ظهر أنهما اختصتا بنزول الملك عليهما، أو اختصتا ببعض الكرامات حين كانتا جنينين في بطن أمهما؟. مع انه قد ذكر السيدة زينب وخديجة في جملة هؤلاء النسوة اللواتي يتحدث عنهن.

المقارنة الثانية:

وقوله:

«..ولا نستطيع إطلاق الحديث المسؤول القائل بوجود عناصر غيبية مميزة، تخرجهن عن مستوى المرأة العادي، لأن ذلك لا يخضع لأي إثبات قطعي».

قد شرحه أخيراً بقوله:

«وإذا كنا لا نستطيع إطلاق الحديث القائل بوجود عناصر غيبية في شخصية الزهراء «عليها السلام» بحيث يخرجها عن كونها بشراً تتحول حياتها كلها الى معاجز خارقة للقوانين الطبيعية والسنن التي أودعها الله في الكون، لكن هذا لا يعني أبدا نفي ذلك كله، فإن الزهراء الإنسانة كانت تحيط بها ألطاف الله، ونستطيع أن نقول إن هناك عالما من الغيب في شخصيتها، وإنها نور من الأنوار، وفي حياتها الكثير من الكرامات التي أعطاها الله إياها، فقد روي ([14]) أنه كان يدخل عليها رسول الله فيجد عندها رزقاً»([15]).

إلى أن قال:

«ورغم ما تقدم من براهين على عصمة الزهراء وقدسيتها وكراماتها وفضائلها.. فإن ذلك لا يخرجها عن كونها امرأة من جنس البشر تملك من الأحاسيس والعواطف والغرائز ما تملكه سائر النساء، وإنما عظمتها أنها حركت أحاسيسها في رضا الله، ولم تسمح لغرائزها أن تخرج عن حدود الله سبحانه، بحيث إن قلبها، وعقلها وجسدها لم ينحرفوا عن خط الإستقامة طرفة عين أبدأ»([16]).

والسؤال هو:

أولاً: لماذا تحدث عن خروجها عن كونها بشراً، فإن وجود عناصر غيبية ـ ككونها نوراً من الأنوار كما اعترف به هذا البعض في نفس هذا النص المذكور لا يخرجها عن كونها بشراً..

ثانياً: إن كونها نورا من الأنوار، وحديثها مع أمها في بطنها ـ هو عنصر غيبي في شخصيتها لكن ليس من الضروري أن يحول حياتها ـ كلها ـ الى معاجز خارقة للقوانين الطبيعية.. على حد قوله..

ثالثاً: كيف نجمع بين قوله:

«ونستطيع أن نقول:

إن هناك عالماً من الغيب في شخصيتها، وإنها نور من الأنوار».

وبين قوله:

«لا نستطيع إطلاق الحديث المسؤول، القائل بوجود عناصر غيبية مميزة تخرجهن عن مستوى المرأة العادي».

ألا ترى أن بين هذين القولين تناقضا فاضحاً؟!.

رابعاً: إن كونها نورا من الأنوار، وأن يكون هناك عالم من الغيب في شخصيتها: ألا يميزها عن سائر النساء؟!.

وألا يخرجها ذلك عن مستوى المرأة العادي؟!

فإن كان كلامه صحيحا في أننا نقوّله ما لم يقل: فإننا نرضى منه أن يستبدل النص الموجود في كتاب تأملات بالنص الموجود في كتاب الزهراء القدوة.. ونكون له من الشاكرين.. وبذلك يحل الإشكال القائم فيما بينه وبين من يعترض عليه، وسيستجيب الله دعاءه لمنتقدي مقولاته بالهداية، ولا تصل القضية الى المحاكمة يوم القيامة..

المقارنة الثالثة:

قال البعض في كتاب تأملات إسلامية حول المرأة، وهو يتحدث عن مريم «عليها السلام» التي اصطفاها الله للروحانية التي تميزها، وسلوكها في طاعة الله، ما يلي:

«..وإذا كان الله قد وجهها من خلال الروح الذي أرسله إليها، فإن ذلك لا يمثل حالة غيبية في الذات، بل يمثل لطفا إلهيا في التوجيه العملي، والتثبيت الروحي، على أساس ممارستها الطبيعية للموقف في هذا الخط، من خلال عناصرها الشخصية الإنسانية، التي كانت تعاني من نقاط الضعف الإنساني في داخلها، تماماً كما هي المسألة في الرجل في الحالات المماثلة..»([17]).

ولكنه قال في كتاب: الزهراء القدوة:

«وعندما تحدثنا في تأملات إسلامية حول المرأة([18])

عن أن الزهراء «عليها السلام» كما مريم «عليها السلام» وآسية بنت مزاحم ليست بامرأة عادية، فلم يكن في ذلك الكلام إشعار بنفي كرامات الزهراء وعصمتها، كيف وقد أشرنا في تلك الصفحة نفسها الى أن الله سبحانه منح بعض تلك النسوة العظيمات من ألطافه ما يسددهن، ويثبتهن روحيا وعمليا، وإنما كان ذلك الكلام يرمي كما يشهد به صدره وذيله أنها «عليها السلام» لم تكن إلا بشراً وتحمل خصائص سائر النساء كما كان رسول الله «صلى الله عليه وآله» بشراً ويحمل خصائص الرجال ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ([19]). وإلا لو لم يكن رسول الله بشرا، وكذلك الأنبياء والأئمة والزهراء ـ عليهم جميعا سلام الله، لما كان لهم فضل على سائر الناس، ولما كان هناك معنى للإقتداء بهم ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ([20]) فعظمة هؤلاء وقيمتهم: أنهم بشر وليسوا ملائكة، ولكنهم بإرادتهم وقداستهم أرفع شأناً عند الله من الملائكة.. ولهذا علينا عندما نقدم الزهراء «عليها السلام» أو نقدم آل البيت «عليهم السلام»، أن لا نقدمهم بطريقة توحي بأنهم ملائكة أو أنهم غيب من الغيب، لأننا وإن كنا نعتقد: أن الغيب يمثل الأساس في عقيدتنا، ولكن إرادة الله قضت أن يكون المثل الأعلى للناس والهادي لهم من الضلالة من جنسهم ﴿قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا([21])، ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ([22])»([23]).

ومن خلال المقارنة بين هذين النصين نخرج بالنتيجة التالية:

أولاً: إن الروح الذي أرسله الى مريم ـ حسب النص ـ في تأملات كان له دور التوجيه العملي لها، والتثبيت الروحي.. أي أنه يدلها على الخطوات التي تقوم بها.. ويثبتها حين كانت تعاني من الضعف الإنساني في داخلها، بسبب المشكلة التي طرأت عليها..

ولكن ذلك لا يعني أنه أرسل لزينب مثلاً هذا الروح ليوجهها كيف تتصرف حين المحنة، أو يثبتها روحياً، وهي تعاني من الضعف في داخلها.. على حد قول هذا البعض.

ولا يدل ذلك أيضاً على أنه قد أرسل للزهراء أو لخديجة، أو لآسية هذا الروح ليفعل مثل ذلك..

وحيث إنه قد صرح في كلامه بأن تلك النسوة ليس فيهن أية خصوصية غير عادية إلا الظروف الطبيعية، ثم استثنى مريم، بسبب المشكلة التي واجهتها، فذلك لا يعني أن ما حصل لمريم قد حصل لغيرها..

فقوله في النص الثاني:

«لم يكن في ذلك الكلام (الذي ورد في تأملات) إشعار بنفي كرامات الزهراء..» صحيح، إذ إنه لم يكن فيه إشعار بذلك، بل كان فيه تصريح.. ومريم فقط هي التي حظيت بتوجيه الروح وتثبيته لها في وقت المحنة..

أما الزهراء «عليها السلام»، فبقيت، حالها كحال زينب، ليس فيها أية خصوصية غير عادية، ولا يوجد عناصر غيبية مميزة لها تخرجها عن مستوى المرأة العادي وكذلك حال خديجة وآسية.. وفقاً لأقاويل هذا البعض؟!

ثانياً: قد عرفنا: أن وجود خصوصية غير عادية في شخص ـ ككونه نوراً من الأنوار ـ على حد تعبير هذا البعض لا يخرجه عن كونه بشراً، ولا يجعله من الملائكة..

ثالثاً: لقد قال في النص الثاني:

«علينا عندما نقدم الزهراء «عليها السلام»، أو نقدم آل البيت «عليهم السلام» أن لا نقدمهم بطريقة توحي بأنهم ملائكة، أو أنهم غيب من الغيب، لأننا وإن كنا نعتقد: أن الغيب يمثل الأساس في عقيدتنا، ولكن إرادة الله قضت أن يكون المثل الأعلى للناس، والهادي لهم من الضلالة من جنسهم».

ويقابل هذا القول: قوله التالي:

«إن علينا أيضاً: أن نقدمهم على أنهم بشر مميزون، ولهم ارتباط بالغيب، وفيهم خصوصيات غير عادية جعلتهم أهلاً لاصطفاء الله لهم، وأنهم نور من الأنوار، وأن مريم كلما دخل عليها زكريا المحراب، وجد عندها رزقا.. وأن فاطمة كانت تحدث أمها في بطنها، وكان الملك ينزل عليها، وأن هناك عالما من الغيب في شخصيتها على حد تعبير هذا البعض نفسه، ولا يجوز لنا أن ننكر وجود هذا الغيب في شخصيتها ولا أن ننكر أنها شخصية مميزة عن سائر ابناء جنسها، وأنها فوق مستوى المرأة العادي.. وأنها، وأنها إلخ..»


([1]) الآيتان 5 و 6 من سورة مريم.

([2]) الزهراء القدوة ص296 و 299.

([3]) الزهراء القدوة ص114

([4]) هذا الرأي الأخير ذكره في كتاب: الزهراء القدوة ص164.

([5]) الزهراء القدوة ص112 و 113.

([6]) الزهراء القدوة ص109.

([7]) الآية 61 من سورة آل عمران.

([8]) الزهراء القدوة ص173 و 174.

([9]) امراء وقبائل ص456.

([10]) تأملات إسلامية حول المرأة ص8 و 9 ومجلة المعارج عدد 28 ـ 31 ص957.

([11]) عوالم الزهراء ص201.

([12]) المصدر السابق 583.

([13]) الزهراء القدوة ص171.

([14]) تفسير الكشاف ج1 ص275 وعنه بحار الأنوار ج43 ص29 وعوالم الزهراء ص207 نقلاً عن الخرائج والجرائح.

([15]) الزهراء القدوة ص171.

([16]) الزهراء القدوة ص172.

([17]) تأملات إسلامية حول المرأة ص9 والمعارج عدد 28ـ31 ص957 و 958.

([18]) تأملات إسلامية حول المرأة (ط دار الملاك ط 6 ص1997) ص9.

([19]) الآية 110 من سورة الكهف.

([20]) الآية 9 من سورة الأنعام.

([21]) الآية 93 من سورة الإسراء.

([22]) الآية 2 من سورة الجمعة.

([23]) الزهراء القدوة ص172 و 173.

 
   
 
 

موقع الميزان