فصل (آل محمد عليهم السلام حكام العباد)

فالمالك في المعاد والحاكم يوم التناد، والولي على أمر العباد هم آل محمد صلى الله عليهم الذين جعلهم الله في الدنيا قوام خلقه، وخزان سره وفي الآخرة ميزان عدله وولاة أمره، وذلك لأن الصفات مآلها الذات ومرجع الأفعال إلى الصفات، وآل محمد صفوة الله وصفاته فالأفعال بسرهم ظهرت، وعنهم بعثت وإليهم رجعت، (بدؤها منك وعودها إليك) فهم المنبع وإليهم المرجع، فمرجع الخلق إليهم وحسابهم عليهم.

 

فصل (أقسام الأولياء)

وذلك لأن الولاة قسمان: الأنبياء والأولياء، والأنبياء ليس عليهم حساب بنص الكتاب، دليله قوله (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) (1) فالأنبياء شهود على الأمم فتعين أن الموقف للأولياء، وإليه الإشارة بقوله: (يوم ندعو كل أناس بإمامهم) (2)، والدفاتر بأسرها مرفوعة إلى صاحب الجمع الأكبر الذي له الولاية من البداية إلى النهاية، وذاك أمير المؤمنين بنص الكتاب المبين فهو ولي يوم الدين، وحاكم يوم الدين ومالك يوم الدين، وبأمر الله فيه يدين، ويوم الدين يوم الجزاء ومقاماته اللواء، وعلي حامله، والحوض علي ساقيه، والميزان وعلي واليه، والصراط وهو رجال الأعراف عليه، والجنة والنار ومفاتيحها بيده وأمرها إليه، فاعلم أن يوم القيامة منوط بآل محمد صلى الله عليه وآله فاللواء لهم والحوض لهم والوسيلة لهم، والميزان لهم والصراط لهم، والشفاعة لهم، فهم الذادة والقادة والسادة والولاة والحماة والهداة والدعاة، والمنزلة لهم، والولاية لهم، وأهل الجنة والنار لهم، وإليهم وعليهم، ووقوف الخلق في مقام (وقفوهم إنهم مسؤولون (3) لهم، وشهادة الأنبياء على أممهم بالتبليغ لهم وحشر الخلائق إليهم وحسابهم عليهم،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

‹ هامش ص 293 › (1) النساء: 41.

 (2) الإسراء: 71.

 (3) الصافات: 24.

 

 

وخطاب الله يوم القيامة لهم والدرجة العليا لهم، ومالك ورضوان ممتثلان لأمرهم مأموران بطاعتهم، لأنهم حجج الله على أهل السماوات والأرضين، وإليهم أمر الخلائق أجمعين، منا من رب العالمين، وويل للمنكرين، عند طلوع شمس اليقين.

 

 

فصل (معنى الحساب)

والحساب يوم القيامة عبارة عن النظر في الصحايف، وإليه الإشارة بقوله: (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت) (1) وهي آخر آية نزلت.

 والصحائف في الدنيا تعرض على النبي والولي، وفي الآخرة يختص بحكمها الولي موهبة من الرب العلي، فمن كبر عليه هذا العطاء، واستكبر هذه النعماء، فليمدد بسبب إلى السماء.

 

فصل

والحساب هو تعيين أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار، وذلك في صحيفة آل محمد قد عرفوه في عالم الأجساد والأشباح، والأصلاب والأنساب، وإليهم عوده وما به يوم الحساب بنص الكتاب، دليله قوله: ألقيا في جهنم كل كفار عنيد (2) هكذا بلفظ التثنية، وهو أمر لمن له الحكم في ذلك اليوم، وقد أجمع المفسرون وفيهم أبو حنيفة في مسنده رواية عن الأعمش عن أبي سعيد الخدري أنه إذا كان يوم القيامة قال الله: يا محمد يا علي قفا بين الجنة والنار، وألقيا في جهنم كل كفار كذب بالنبوة (3)، وعنيد عاند في الإمامة، فتعين أن عليا حاكم يوم الدين بأمر رب العالمين.

 يؤيد هذا قوله سبحانه: وذكرهم بأيام الله (4) وهي يوم الرجعة ويوم القيامة، ويوم القائم، فيوم الرجعة حكمه لهم، ويوم القائم حكمه لهم، فهذه الثلاثة أيام لآل محمد صلى الله عليه وآله.

 

فصل

وهذا هو الإيمان بالغيب، وإليه الإشارة بقوله: (الذين يؤمنون بالغيب) (5) ومعناه يصدقون بأيام آل محمد فمدح من آمن بها، فمن آمن بها آمن بالله، ومن لم يؤمن بها لم يؤمن بالله.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) البقرة: 281.

( 2) ق: 24.

( 3) بحار الأنوار: 36 / 74 ح 27 و: 24 / 73 ح 58.

( 4) إبراهيم: 5.

( 5) البقرة: 3.

 

 

 

 

فصل (مناقب الكرار بلسان المختار)

وبيان وصل علي ناصر محمد ومعاونه، وأبوه كافل النبي ومربيه، وهو حامل رايته في كل موطن ومساويه، وباذل نفسه دونه ومساويه ومفديه، وروحه على جسده (أنت روحي التي بين جنبي) ومستودع علمه (ما أفرغ جبرائيل في صدري حرفا إلا وقد أمرت أن أفرغه في صدر علي) وساعده المساعد وسيفه الضارب، وأسده الغالب، ادعوا لي فارس الحجاز (أين الكاشف عن وجهي الكربات) (1).

 فهو إن شككت صنوه وأخوه (أنت مني بمنزلة هارون من موسى) (2) وصاحب ميراثه ونسبه (أنت أنا وأنا أنت) (3)، وشقيق نفسه وصاحب دعوته (أنت مني وأنا منك لحمك لحمي ودمك دمي ومقامك مقامي) (4) (أنت الخليفة بعدي وإمام أمتي من والاك فقد والاني، ومن عاداك فقد عاداني) (5)، [ أنت ] كذلك مني في كل مقام إلا النبوة وأني لا أستغني عنك في الدنيا ولا في الآخرة، وإنك في يوم القيامة تحيى إذا حييت، وتكسى إذا أكسيت، وترضى إذا رضيت، وإن حساب الخلق عليك وعودهم إليك، ولك الكوثر والسلسبيل غدا وأنت الصراط السوي لمن اهتدى، ولك الشفاعة والشهادة، ولك الأعراف وأنت المعرف، ولك الجواز على الصراط ودخول الجنة ونزول المساكن والقصور، وأنت تدخل أهل الجنة إليها وأنت تجيز أهل النار إليها وأنت تلقي حطبها عليها ولواء الحمد في يديك، وهو سبعون شقة كل شقة وسع ما بين الشمس إلى القمر، وآدم ومن دونه تحت لوائك والأنبياء من شيعتك يوم القيامة، ولا يدخل الجنة إلا من عرفته وعرفك، ولا يدخل النار إلا من أنكرته وأنكرك (6).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) بحار الأنوار: 35 / 39 ح 38 ضمن حديث طويل.

( 2) مسند أحمد: 1 / 170 ط. م و: 277 ح 1466 ط. ب، والطرائف: 1 / 70 ح 45 وما بعده.

( 3) مزار الشهيد الأول: 236.

( 4) بحار الأنوار: 38 / 248 ح 42 ضمن حديث طويل.

( 5) بحار الأنوار: 23 / 125 ح 53 و: 26 / 349 ح 23.

( 6) بحار الأنوار: 38 / 139 ح 101 و: 39 / 214 ح 5 ضمن حديث طويل.

 

 

 

 

فصل (مفتاح الجنة بيد علي)

وإذا استوى أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار، قيل لك: يا علي أغلق عليها أبوابها، وناد بين الجنة والنار: يا أهل الجنة خلود خلود، ويا أهل النار خلود خلود، فويل للمكذبين بفضلك المنكرين لأمرك.

 

فصل (من عرف نفسه عرف ربه)

[ يقول الرب الجليل في الإنجيل: اعرف نفسك أيها الإنسان تعرف ربك، ظاهرك للفاء وباطنك أنا.

 وقال صاحب الشريعة: أعرفكم بربه أعرفكم بنفسه (1).

 وقال إمام الهداية: من عرف نفسه فقد عرف ربه (2).

 

فصل

ومعرفة النفس هو أن يعرف الإنسان مبدأه ومنتهاه، من أين وإلى أين، وذلك موقوف على معرفة حقيقة الوجود المقيد، وهو معرفة الفيض الأول الذي فاض عن حضرة ذي الجلال، ثم فاض عنه الوجود والمجود بأمر واجب الوجود، ومفيض الجود والجواد الفياض، وذاك هو النقطة الواحدة التي هي مبدأ الكائنات ونهاية الموجودات، وروح الأرواح ونور الأشباح، فهي كما قيل:

قد طاشت النقطة في الدائرة * فلم تزل في ذاتها حائرة

محجوبة الادراك عنها بها * منها لها جارحة ناظرة

سمت على الأسماء حتى لقد * فوضت الدنيا مع الآخرة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) روضة الواعظين: 20.

( 2) بحار الأنوار: 60 / 324.

 

 

وهي أول العدد وسر الواحد الأحد، وذلك لأن ذات الله غير معلومة للبشر فمعرفته بصفاته والنقطة الواحدة هي صفة الله، والصفة تدل على الموصوف، لأن بظهورها عرف الله، وهي لألاء النور الذي شعشع عن جلال الأحدية في سيماء الحضرة المحمدية، وإليه الإشارة بقوله: (يعرفك بها من عرفك) (1) يعضد هذا القول أيضا قولهم: لولانا ما عرف الله، ولولا الله ما عرفنا (2).

 فهم النور الذي أشرقت منه الأنوار، والواحد الذي ظهرت عنه الأجساد، والسر الذي نشأت عنه الأسرار، والعقل الذي قامت به العقول، والنفس التي صدرت عنها النفوس، واللوح الحاوي لأسرار الغيوب والكرسي الذي وسع السماوات والأرض، والعرش العظيم المحيط بكل شئ، عظمة وعلما، والعين التي ظهرت عنها كل عين، والحقيقة التي يشهدها بالبدء كل موجود كما شهدت هي بالأحدية لواجب الوجود.

 فغاية عرفان العارفين الوصول إلى محمد وعلي بحقيقة معرفتهم، أو بمعرفة حقيقتهم، لكن ذلك الباب مستور بحجاب (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) (3)، وإليه الإشارة بقولهم: (إن الذي خرج إلى الملائكة المقربين من معرفة آل محمد قليل من كثير، فكيف إلى عالم البشرية،) وعن هذا المقام عنوا بقولهم (أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله نبي مرسل ولا ملك مقرب)، فمن اتصل بشعاع نورهم فقد عرف نفسه لأنه إذ قد عرف عين الوجود وحقيقة الموجود، وفردانية الرب المعبود، فمعرفة النفس هي معرفة حقيقة الوجود المقيد، وهي النقطة الواحدة التي ظاهرها وباطنها النبوة والولاية، فمن عرف النبوة والولاية بحقيقة معرفتها فقد عرف ربه، فمن عرف محمدا وعليا فقد عرف ربه، وإن كان الضمير في قوله عرف نفسه عايدا إلى العارف فإنه إذا عرف نفس الكل والروح المنفوخ منها في آدم فقد عرف نفسه ونفس الكل وحقيقة الوجود هم.

 

فصل

وإن كان الضمير في قوله (نفسه) راجعا إلى الله في قوله ويحذركم الله نفسه، فهم روح الله وكلمته ونفس الوجود وحقيقته فعلى الوجهين من عرفهم فقد عرف ربه، وكذا عند الموت إذا رأى عين عين اليقين فإنه لا يرى إلا محمدا وعليا لأن الإله الحق جل أن تراه العيون، والميت عند موته إنما يشهد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) البحار: 95 / 393.

( 2) نور البراهين للجزائري: 2 / 121.

( 3) الإسراء: 85.

 

 

حقيقة الحال والمقام فلا يرى عند الموت إلا هم لأنه يرى عين اليقين.

 وقال أمير المؤمنين عليه السلام: أنا عين اليقين أنا الموت المميت.

دليله ما ورد في كتاب بصائر الدرجات عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما من ميت يموت في شرق الأرض وغربها محب لنا أو مبغض إلا ويحضره أمير المؤمنين عليه السلام ورسول الله صلى الله عليه وآله فيبشره أو يلعنه (1).

 وكذا إذا نفخ في الصور وبعثر ما في القبور، وعادت النفس إلى جسدها المحشور، فإنها لا ترى إلا محمدا وعليا لأن الحي القيوم عز اسمه لا يرى بعين البصر، ولكن يرى بعين البصيرة.

 وإليه الإشارة بقوله: (لا تراه العيون بمشاهدة العيان، ولكن تراه العقول بحقائق الإيمان) (2)، ومعناه تشهد بوجوده لأنه ظاهر لا يرى وباطن لا يخفى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) يراجع الكافي: 3 / 128 ح 1 إلى 13 والبحار: 6 / 173 ح 1 إلى 56.

( 2) بحار الأنوار: 36 / 406 ح 16.

 

 

فصل (معنى الرب في القرآن)

وبيان المدعى ما شهد به القرآن من قوله سبحانه: (وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة) (1) فقال: إلى ربها، ولم يقل: إلهها، وذلك لأن الألوهية مقام خاص لا شركة فيه، والربوبية مقام عام يقع فيه الاشتراك لعمومه، ثم قال: (وجاء ربك) (2) ولم يقل: وجاء إلهك، ثم قال: الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم (3) ثم قال: (ارجعي إلى ربك) (4) فخص النظر والرؤية والتجلي والملاقاة بالرب دون الإله لأن الرؤية والتجلي إنما تكون من ذي الهيئة، والمجئ إنما يصدق على الأجسام والانتقال من حال إلى حال على الله محال، فالمراد من النظر والرؤية، والتجلي هنا الرب اللغوي، ومعناه المالك والسيد والمولى، ومحمد وعلي سادة العباد ومواليهم وملاك الدنيا والآخرة وما فيها ومن فيها، والله ربهم بمعنى معبودهم وهذا خاص وهو رب السماوات والأرض وما فيهن ومن فيهن ورب محمد وعلي ومولاهم الذي خلقهم واجتباهم واختارهم وولاهم، فهو الرب والمولى والإله والسيد والمعبود والحميد والمحمود، وهم الموالي والسادات العابدين لا المعبودين لكنه سبحانه استبعد أهل السماوات والأرض، من أطاعهم فهو عبد حر قد عتق مرتين، ومن عصاهم فقد أبق - ولد زنا قد أبق الكرتين، وشاهد هذا الحق قوله الحق: (أنهم ملاقوا ربهم صريح في ملاقاة آل محمد صلى الله عليه وآله غدا والرجوع إليهم.

 

فصل

والقرآن نطق بتسمية المولى ربا في حكايته عن يوسف عليه السلام في قوله: (إنه ربي أحسن مثواي) (5) وقوله: (اذكرني عند ربك) (6)، وقوله: (ارجع إلى ربك) (7)، فلو لم يكن ذاك جائزا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) القيامة: 22.

( 2) الفجر: 22.

( 3) البقرة 46.

( 4) الفجر: 28.

( 5) يوسف: 23.

( 6) يوسف: 43.

( 7) يوسف: 50.

 

 

 

لامتنع على المعصوم ذكره، وكل هذا مقام لغوي، فالسيد ومالك يوم البعث محمد وعلي منا من الله الرب المعبود الخالق وتولية ورفعة وكرامة لأن الله سبحانه اصطفاهم وولاهم، فهم موالي أهل الدنيا والآخرة ذلك الفضل من الله، وإليه الإشارة بقوله: (وإن إلى ربك المنتهى) (8).

 والمراد با لرب هنا الولي، والموالي هم، فهم المبدأ وإليهم المنتهى.

 وإن كان المراد هنا حذف المضاف فمعناه إلى عدل ربك المنتهى، وإلى حكم ربك وإلى عفو ربك وإلى رحمة ربك.

 فهم عدل الله ورحمته، ولطفه وأمره وحكمه، فالمرجع إليهم والحساب عليهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) النجم: 23.

 

 

 

 

فصل (مناقب آل محمد عليهم السلام)

 

فمحمد وعلي بالنسبة إلى حضرة الخلق موالي ومالكين وبالنسبة إلى حضرة الحق عبيدا مختارين وحجبا مقربين، وإليه الإشارة بقوله: (إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا) (1) فالخلائق إذا حضروا الموقف ووقفوا في مقام العبودية فهناك يرى محمدا وآل محمد ينظرون إلى ما من الله به عليهم من الرفعة والكرامة والولاية العامة، والخلق ينظرون رفعتهم وقرب منزلتهم وعظيم كرامتهم، فيعولون في الشفاعة عليهم ويلجأون في وزن الأعمال إليهم، وإليه الإشارة بقوله: (وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة) (2).

 والنظر يومئذ إما إلى الرب صريحا أو إلى رحمته ونعمته ولطفه وفضله، وهو حذف المضاف.

 فإن كان النظر إلى الرب فالوجوه هناك ناظرة إلى عظمة نبيها ووليها وهو مولاها في دنياها وأخراها، فهي ترقب الشفاعة من النبي والتنزيه من الولي بفضل الإله العلي، وإن كان معناه أنها ناظرة إلى رحمة ربها وفضل ربها، فالنعمة والرحمة والفضل أيضا محمد وعلي، وإليه الإشارة بقوله: (وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة) (3) والظاهرة يومئذ محمد صلى الله عليه وآله لأنه زين القيامة وصاحب الوسيلة وذو الكرامة، فالوجوه يومئذ ناظرة إلى جماله وكماله وعلو مقامه، والنعمة الباطنة علي، والوجوه يومئذ ناظرة إلى حقيقة معناه فيرون حكمه النافذ في العباد بأمر الملك الذي يختار من عباده من يشاء، شئت أنت أم لم تشأ.

 يؤيد ذلك: ما رواه سليم بن قيس الجواد: أن فلانا قال يوما: ما مثل محمد في أهل بيته إلا نخلة نبتت في كناسة.

 فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فغضب وخرج فأتى المنبر فجاءت الأنصار شاكة في السلاح، فقال: ما بال قوم يعيرونني بأهل بيتي وقرابتي إذا قلت فيهم ما جمع الله فيهم من الفضل ألا وإن عليا مني بمنزلة هارون من موسى ألا وإن الله خلق خلقه وفرقهم فرقتين.

 وجعلني في خيرها فرقة، ثم جعلها شعوبا وقبايل فجعلني في خيرها شعبا وقبيلة، ثم جعلهم بيوتا فجعلني في خيرها بيتا، أنا وأخي علي بن أبي طالب، ألا وإن الله نظر إلى الأرض نظرة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) مريم: 93.

( 2) القيامة: 22.

( 3) لقمان: 20.

 

 

واختارني منها، ثم نظر إليها نظرة أخرى فاختار أخي عليا وجعله وزيري وخليفتي وأميني، وولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي، من والاه فقد والاني، ومن عاداه فقد عاداني، لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا كافر، ولا يرتاب فيه إلا مشرك، وهو رب الأرض وسكنها، وكلمة التقوى، فما بال قوم يريدون أن يطفئوا نور أخي والله متم نوره؟ ألا وإن الله اختار لي أخا وأحد عشر سبطا من أهل بيتي هم خيار أمتي، مثلهم مثل النجوم في السماء، كلما غرب نجم طلع نجم، هم قوام الله على عباده، وحجته في أرضه وبلاده، وشهوده على خلقه، هم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقونه حتى يردا علي الحوض، أبوهم علي وأمهم فاطمة، ثم الحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين، جدهم لخير النبيين وأبوهم خير الوصيين وأمهم خير أسباط المرسلين وبيتهم خير بيوت الطاهرين، ما لقي الله عبدا محبا لهم موحدا لربه لا يشرك به شيئا إلا دخل الجنة، ولو كان عليه من الذنوب مدد الحصى والرمل وزبد البحر، أيها الناس عظموا أهل بيتي وحبوهم، والتزموا بهم بعدي فهم الصراط المستقيم (1).

 

فصل

عدنا إلى البحث الأول. وأما قوله (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا) (2) والتجلي إنما يكون من ذي الهيئة والجسم، والرب المعبود ليس بجسم، فالمراد تجلي نور ربه والنور الأول نور محمد وعلي المتجلي من كل الجهات، والله الأحد الحق المتجلي عن كل الجهات، فبنور صفاته في الأشياء تجلى وبجلال ذاته عن الجهات تجلى، وإليه الإشارة بقوله: أنا مكلم موسى من الشجرة: أن يا موسى أنا ذلك النور.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) بحار الأنوار: 36 / 294 ح 124 والحديث طويل اختصره المصنف.

( 2) الأعراف: 143.

 

 

فصل (معنى الحركة السكون لله)

وأما قوله: (وجاء ربك) فالمجئ والحركة والسكون إنما تقال على الأجسام، وخالق الأجسام ليس بجسم، وكيف يجري عليه ما هو أجراه، لا إله إلا الله، والمراد جاء أمر ربك والأمر يومئذ محمد وعلي فهم الأمر وإليهم الأمر، والسيد والمولى في اللغة بمعنى واحد، وأنت تدعو بذاك مرارا ولا تعقل وتقول: يا سيدي ومولاي يا الله يا محمد يا سيدي ومولاي، يا علي يا سيدي ومولاي، وقد ورد عن الحسن العسكري عليه السلام في عهده ودعائه أنه يقول: (يا من أتحفني بالإقرار بالوحدانية، وحباني بمعرفة الربوبية، وخلصني من الشك والعمى، جئت بك إليك).

 فالواحد المعدود، والرب لا معدود، صفة الإله الأحد الذي لا يحد ولا يعد، فمن عرف من الحكمة هذا القدر فقد عرف مبدأه ومعاده، لأن المبدأ ظهور من الحق إلى الخلق، والمعاد عود من الخلق إلى الحق، ومن عرف المبدأ والمعاد وحقيقة الوعد والإيعاد، فقد تيقن النجاة وعرف عين الحياة، وأمن الممات، لأن المؤمن حي في الدارين.

 يتمم هذا الأسرار قوله: (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا) (1)، والوحي والرسول يوم القيامة مرتفع، فلم يبق إلا التكلم من وراء الحجاب، وأقرت الناس مقاما من حضرة الربوبية الاسمان الأعليان الحبيب والولي الكلمة العليا التي تكلم بها في الأزل فصارت نورا، والكلمة الكبرى التي تكلم بها فكانت روحا، وأسكنها ذلك النور محمد وعلي فهما حجاب رب الأرباب، فالأذن إذن لهم والحكم لهم، والأمر إليهم، وإليه الإشارة بقوله: (والأمر يومئذ لله) (2) يعني لولي الله لأنهم عالمان بأعمال العباد من غير سؤال وليس في الخلائق من له هذه المقامات إلا هم، لكن الناس فيهم، كما قال الله سبحانه: ومن الناس من يعبد الله على حرف (3) أي إيمانه غير متمكن في القلب لأن الحرف هو الطرف.

 وذاك بغير

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) الشورى: 51.

( 2) الانفطار: 19.

( 3) الحج: 11.

 

برهان ولا يقين، فإن أصابه خير يعني إن سمع ما يلائم عقله الضعيف اطمأن به وركن إليه، وإن أصابته فتنة - وهو سماع ما لم يحط به خبرا - فهناك لا يوسعك عذرا بل يبيح منك محرما ويتهمك كفرا، وإليه الإشارة بقوله عليه السلام: لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله. وقيل لكفـّره (1)، لأن صدر أبي ذر ليس بوعاء لما في صدر سلمان من أسرار الإيمان وحقائق ولي الرحمن، ولذاك قال النبي صلى الله عليه وآله: أعرفكم بالله سلمان.

 وذلك لأن مراتب الإيمان عشرة، فصاحب الإيمان لا يطلع على الثانية وكذا كل مقام منها لا ينال ما فوقه، ولا يزدري من تحته، لأن من فوق درجته أعلى منه، وغاية الغايات منها معرفة علي بالإجماع وإنما قال: (لقتله) لأن أبا ذر كان ناقلا للأثر الظاهر، وسلمان عارفا بالباطن، ووعاء الظاهر لا يطيق حمل الباطن، وقد علم كل أناس مشربهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) بحار الأنوار: 25 / 346 وأصول الكافي: 1 / 401 والدر المنثور للشهيد الثاني: 1 / 47، وغرر الفوائد: 419.

 

 

 

 

فصل (معنى الرب بالقرآن)

 قد علمت أن الرب لفظ مشترك، فتارة يأتي بالقرآن بمعنى المالك والسيد، وتارة يأتي بمعنى المعبود، ولا مشركة فيه، وذاك مثل قوله سبحانه: (رب السماوات) (1)، و (رب الأرض) (2)، (رب العالمين) (3)، فهو ربهم وخالقهم ومالكهم ومولاهم، وأما اسم الإله إذا جاء من هذا الباب فإنه لا يكون إلا بمعنى حذف المضاف لا غير، وذلك مثل قوله: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله) (4)، ومعناه أمر الله، وقوله: (فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا) (5) معناه أمر الله من حيث لم يشعروا.

 

فصل (سر النجاة بالإيمان)


ولا إيمان إلا ببرهان،  وإليه الإشارة بقوله: (هاتوا برهانكم) (6)، وصاحب البرهان على بينة من ربه، وحق اليقين لا شك بعده، وليس بعد الهدى إلا الضلال، فالمؤمن الموقن كشارب الترياق لا يضره سم أبدا، والمقلد إيمانه لعقة على لسانه فلا يعرف الحق حتى يتبعه، ولا يقدر على عرف الباطل فيمنعه، فهو كالمطعون كلما ازداد علاجا ازداد مرضا، أو كشارب ماء البحر كلما ازداد شربا ازداد عطشا، وكذلك المرتاب في فضل علي لا يصبو الحسن ما تجلى عليه من عرايسه، ولا ترتاح نفسه لسماع نفايسه، فكلما تليت عليه آياته، ولى مدبرا، وصد مستكبرا، لأنه لم يؤمن بها من الأزل ولم يزل، فلذلك لم يؤمن بها اليوم، ولم ينقد مع القوم، وكيف يعرفها في عالم الأجسام والأشباح؟ وقد أنكرها في عالم الأرواح، فهو في عالم الأجساد ممسوخ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) مريم: 65.

 (2) الجاثية: 36.

 (3) الجاثية: 36.

 (5) البقرة: 21.

 (5) الحشر: 2.

 (6) البقرة: 111.

 

 

ومن عالم الأرواح مفسوخ، وفي سجين مرسوخ، لأن الجسد تابع للأرواح وإليه الإشارة بقوله: (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة) (1) لأن الإيمان من ذلك الوم.

 دليله قوله: (الذين يوفون بعهد الله (2) في ولاية علي الذي أخذ عليهم عهدها في الأزل وقوله: والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل (3) يعني يصلون حب الله بحب محمد، وحب محمد بحب علي، وحب علي بحب فاطمة، وحب فاطمة بحب عترتها.

 (ويخشون ربهم) في ترك الولاية (ويخافون سوء الحساب) لمن لم يؤمن بآل محمد.

 دليل ذلك أن رجلا قال لأمير المؤمنين عليه السلام: إني أحبك، فقال له: كذبت إن الله خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام ثم عرض علي المطيع منها والعصاة فما رأيتك يوم العرض في المحبين، فأين كنت؟ (4) وقال أبو عبد الله عليه السلام: أعداؤنا مسوخ هذه الأمة (5).

 ومن أنكر فضل آل محمد عليهم السلام فهو عدوهم، وإن كثر صومه وصلاته فإن عبادة إبليس أعظم وأكثر، فإن ذلك ضاع عند عصيانه وخلافه، ولا فرق بين عصيان الرب وعصيان الإمام.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) الأنعام: 110.

( 2) الرعد: 20.

( 3) الرعد: 21.

( 4) نهج السعادة: 409 / 7، ومناقب آل أبي طالب: 2 / 96 بتفاوت.

( 5) تقدم الحديث.

 

 

 

 

فصل (أثر إنكار فضل الآل عليهم السلام)

ما أنكر فضل آل محمد من الأمم السالفة إلا مسخ (1)، ولا رد فضلهم إلا من خبث أصله ورسخ، فمن أنعم الله عليه بحب علي والإقرار بفضله ووجد روحه بين جنبيه، ووجد صدره منشرحا عند وصول أسراره إليه، ولم يجد الشكوك تنازعه، ولا يد الإنكار تمانعه، فقد طاب مولده وعنصره، وزكى محتده ومخبره، وإليه الإشارة بقول أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: (لا تدعوا الناس إلى ما أنتم عليه، فوالله لو كتب هذا الأمر على رجل لرأيته أسرع إليه من الطير إلى وكره، وأسبق من السيل إلى جوف الوادي).

 ولذلك قال أمير المؤمنين عليه السلام: (لو ضربت خيشوم المؤمن على أن يبغضني ما فعل، ولو صببت الدنيا على المنافق على أن يحبني ما فعل، وبذلك أخذ الله لي العهد في الأزل ولم يزل) (2).

 ولذلك قال للرجل: فما رأيتك في المحبين فأين كنت؟ فعليه عرضت الأرواح، وعليه تعرض الأعمال في عالم الأجسام، وعليه تعرض عند الممات، ويعلم مقامها بعد الوفاة، ويعلم ما يصير إليه الرفات، وإليه عودها عند القيام، وهو وليها في ذلك المقام، وقاسمها إلى النعيم أو الانتقام، من فضل الله رب الأنام، وولاية من ذي الجلال والإكرام.

 فعلي ولي الأشباح، وولي الأديان وولي الإيمان وولي الحياة وولي الممات، وولي الحساب وولي النعيم وولي العذاب، وولي للمكذب والمرتاب.

 الذين لفضل علي ينكرون، ولما خصه الله به من الآيات يجحدون، وعن آياته يستكبرون، وفي علو مقاماته يرتابون ويستعظمون، وبها يكذبون وفيها يلحدون، أولئك في العذاب محضرون، وعن الرحمة مبعدون.

 فلو أن أحدهم عمر في الدنيا ما دارت الأفلاك وسبحت الأملاك، وحج ألف حجة، وكان في أيامه مقبلا على الصيام والقيام، وكان له من الحسنات بعدد ورق الأشجار، ومن الطاعات بوزن رمل القفار، ومن المبرات بعدد قطر الأمطار، ومن الخيرات بعدد ما في القرآن حرفا حرفا، وبعدد كل حرف ألفا ألفا، وقرأ كل كتاب نزل، وفهم كل خطاب من العلم والعمل، ورافق النبيين وصحب المرسلين، وأقام في الصافين، وقتل شهيدا بين الركن والمقام، ثم أنكر من فضل علي حرفا، وارتاب في فضله وأخفى، لم ير في بعثه سعدا، ولم يزدد من رحمة الله إلا بعدا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) المسخ المتقدم في رواية الإمام الصادق عليه السلام أعم من المسخ في الدنيا والآخرة والمراد في الآخرة ما يسمى بتجسد الأعمال من حشر بعض الناس على شكل الحيوانات.

 والمراد في الدنيا ما جاء في بعض روايات الإمام الصادق عليه السلام من إراءة الإمام الناس لأبي بصير على حقيقتهم قردة وخنازير.

 أقول: وإنما قلنا ذلك لما نشاهده من أعدائهم في الحياة الدنيا على طبيعتهم الإنسانية ولما ثبت من رحمة أمة محمد صلى الله عليه وآله بعدم المسخ.

 (2) بحار الأنوار: 39 / 296 ح 99.

 

 

 

فصل (صفات الله تعالى)

إن الله تعالى في جلال كبريائه وعظمته ليس كمثله شئ، وهذا من مقتضيات الربوبية، والحضرة المحمدية في كمال رفعتها وتقدمها على المخلوقات ليس كمثلها شئ، لأنها الخلق الأول والولاية في سر عظمتها في تصرفها الكائنات، وعهدها المأخوذ على سائر البريات من قبل بره النسمات ليس كمثله شئ، لأنها احتوت على سر الحضرة الإلهية وسر النبوة المحمدية التي ليس كمثلها شئ، وسر من ليس كمثله شئ ليس كمثله شئ، والعارف بهذه الأسرار، والمجتني لهذه الثمار، المقتبس لهذه الأنوار، المجتنب للتكذيب والإنكار ليس كمثله شئ في سره إلى الله ومعرفته بالهداة الأبرار.

 

فصل سبحان الملك النور الذي تجلى في الأشياء فظهر، وتجلى عنها فغاب واستتر، تقدس عن الزمان والمكان، وتعالى عن الحدوث والحدثان، تنزه عن الحلول والانتقال والصورة والمثال، تجلى بجماله من كل الجهات فظهر، وتجلى بكماله عن كل الجهات فاستتر، فهو غيب ظهر، ثم غاب حين ظهر.

 

 

فصل (اختلاف الناس في الإمام)

نبوة وإمامة، وفي الإمامة وقع الاختلاف، وإليه الإشارة بقوله: (ما اختلفوا في الله ولا في وإنما اختلفوا فيك يا علي) (1)، فالإسلام والإيمان نعمتان مشكورة ومكفورة ظاهر وباطن، فالاختلاف وقع في الإمامة، فالعدو عن ظاهر أنوارها معرض، والولي عن خفي أسرارها متقاصر، فأعداؤه بفضله يكذبون، وأولياؤه لأسراره ينكرون، والعارفون به لسفن النجاة راكبون، وأهل التوفيق والتحقيق لرحيق حبه ينتهلون، سكارى وهم صاحون، واسمهم العالون وهم العالون، وسكرهم أنهم عرفوا أن عليا مولى الأنام، وأن له الحق على الرب والسلام، وعلى السيد الإمام، وعلى البيت الحرام، وعلى الشرع والأحكام، وعلى الرسل الكرام، وعلى الملائكة العظام، ومن المؤمنين في القيام وعلى الجنة ودار الانتقام، وعلى الخاص والعام.

 فإن كبر عليك هذا المقام، فقد ورد في صحيح الأخبار عن الأئمة الأبرار، الذين حبهم النور الأكبر أن حق المؤمن عند الله أعظم من السماوات والأرض، ومن الكبريت الأحمر.

 وإذا كان هذا حق المؤمن فكيف حق أمير المؤمنين عليه السلام؟ أما حقه على الله فإن بساعده وصارمه قامت قناة الدين، ودان به الناس لرب العالمين، وإليه الإشارة بقوله: (ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين) (2).

 فهذه ضربة واحدة بسيفه في الله قاومت أعمال الجن والإنس.

 وأما حقه على الرسول فإنه ساواه بنفسه وواساه بمهجته، وخاض دونه الغمرات وكشف عن وجهه الكربات، فهو أسده الباسل وليثه الحلاحل.

 وأما حقه على الإسلام فإنه به اعشوشب واديه، واخضوضر ناديه ومدت في الآفاق أياديه، وأما حقه على الشرع والأحكام فبه وضحت الدلائل وحققت المسائل، وأقمرت الدجنات وحلت المشكلات.

 وأما حقه على البيت الحرم فإن إبراهيم رفع شرفه وعلي رفع شرفه، وأين رفع الشرف من رفع الشرف.

 وأما حقه على الرسل الكرام فإنهم به كانوا يدينون وبحبه كانوا يشهدون، وبه دعوا عند القيام والظهور وسرهم في الأصلاب والظهور.

 وأما حقه من المؤمنين فإن بحبه تختم الأعمال وتبلغ الآمال.

 وأما حقه على

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) تقدم الحديث.

( 2) الفردوس: 3 / 455 ح 5406، والمستدرك: 3 / 32.

 

 

الملائكة المقربين فإنه هو النور الذي علمهم التسبيح وأوقد لهم في رواق القدس من الذكر المصابيح، وأما حقه على جنات النعيم ودركات الجحيم، فإنه يحشر أهل هذه إليها ويلقي حطب هذه عليها.

 وأما حقه على الخاص والعام من سائر الأنام، فإنه لولاه لما كانوا، لأنه العلة في وجودهم، والفضل عند موجودهم.

 يؤيد هذا التأويل ما روي عن عائشة من كتاب المقامات قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله في بيتي إذ طرق الباب، فقال لي: قومي وافتحي الباب لأبيك يا عائشة.

 فقمت وفتحت له فجاء فسلم وجلس فرد السلام ولم يتحرك له، فجلس قليلا ثم طرق الباب فقال: قومي وافتحي الباب لعمر، فقمت وفتحت له فظننت أنه أفضل من أبي، فجاء فسلم وجلس فرد عليه ولم يتحرك له، فجلس قليلا فطرق الباب.

 فقال: قومي وافتحي الباب لعثمان فقمت وفتحت له، فدخل وسلم فرد عليه ولم يتحرك له، فجلس فطرق الباب فوثب النبي صلى الله عليه وآله وفتح الباب فإذا علي بن أبي طالب عليه السلام فدخل وأخذ بيده وأجلسه وناجاه طويلا، ثم خرج فتبعه إلى الباب، فلما خرج قلت: يا رسول الله دخل أبي فما قمت له، ثم جاء عمر وعثمان فلم توقرهما ولم تقم لهما، ثم جاء علي فوثبت إليه قائما وفتحت له الباب، فقال: يا عائشة لما جاء أبوك كان جبرائيل بالباب فهممت أن أقوم فمنعني فلما جاء علي وثبت الملائكة تختصم على فتح الباب إليه، فقمت وأصلحت بينهم، وفتحت الباب له، وأجلسته وقربته عن أمر الله، فحدثي بهذا الحديث عني، واعلمي أن من أحياه الله متبعا للنبي، عاملا بكتاب الله، مواليا لعلي، حتى يتوفاه الله، لقي الله ولا حساب عليه، وكان في الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين (1).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) بحار الأنوار: 38 / 313 ح 17.

 

 

 

فصل (سر آل محمد صعب مستصعب)

اعلم أن سر آل محمد صعب مستصعب كما ذكره، فمنه ما يعلمه الملائكة والنبيون، وهو ما وصل إليهم بالوحي، ومنه ما يعلمه هم ولم يجر على لسان مخلوق غيرهم، وهو ما وصل إليهم بغير واسطة، وهو السر الذي ظهرت به آثار الربوبية عنهم، فارتاب لذلك المبطلون، وفاز العارفون، فكفر به فيهم من أنكر، وفرط من غلا فيهم وأفرط، وفاز من أبصر فتبع النمط الأوسط.


فصل

وأما السر الذي فيه للمؤمن نصيب، فهو أيضا صعب مستصعب، وأشد صعوبة وإغماضا المتشابه بالوجوه القابل للتأويل، الذي يخالف ظاهره باطنه، وأمثلته في القرآن والأحاديث والأخبار والأدعية كثير، فمن ذلك من القرآن قوله: (وقفوهم إنهم مسؤولون) (1) (ويومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان)، وهذا في الظاهر تناقض لأنه أمر أن يقفوهم ويسألوهم، ثم أخبر أنهم لا يسألون، وبيان ذلك: أن العباد لا يسألون يوم القيامة إلا عما عهد الله إليهم من حب علي، فعنه (وعنه خ ل) يسأل إذ يبعثون، وشيعة علي لا يسألون عن ذنوبهم لأنهم وفوا بالعهد، فلا ذنب عليهم، وقوله: (لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان) (2)، هذا لفظ عام، ومعناه خاص، لأن معناه لا يسأل عن ذنبه يوم القيامة إنس ولا جان من شيعة علي، لأن الله أخذ عليهم عهد الإيمان بعلي، وضمن لهم بذلك الجنة، فإن وفوا بالعهد وجبت لهم في رحمته للوفاء بالعهد، وقد وفوا بعهدهم، فلا ذنب عليهم يسألون عنه إذن، لأن حب علي هو الحسنات، فإذا كان في الميزان فأين السيئات، وإليه الإشارة بقوله: (إن الحسنات يذهبن السيئات) (3)، وأكبر الحسنات حب علي، بل هو الحسنات، فإذا كان في الميزان فلا ذنب معه، وأين ظلمة الذنب مع تلألؤ نور الرب، لأن ولاية علي هي نور الرب، وأين ظلمة الليل عند ضياء البدر المنير، أم مس السيئات عند خالص الإكسير، ومن ذلك قوله: (يداه مبسوطتان) وقوله: (ليس كمثله شيء) (4) والتناقض لازم له في الظاهر من غير تأويل، لأن من لا مثل له من أين له يدان مبسوطتان؟ ومن له يد مبسوطة كيف يكون بلا شبه ولا مثل؟ هذا واضح لمن عرف الاستعارة اللغوية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) الصافات: 24.

( 2) الرحمن: 39.

( 3) هود: 114.

( 4) الشورى: 11.

 

 

 

فصل (ليس كمثله شئ)

أما قوله: ليس كمثله شئ، فحق لأن الإله الحق لا مثل له لأنه مسلوب عنه الأضداد والأنداد، وقوله: (بل يداه مبسوطتان) فذلك أيضا حق لأنه أراد القدرة والرزق وعبر عنهما باليد، لأن البسط يليق باليد والقدرة أيضا.

 فلفظ اليد هنا استعارة لأن قدرته ورزقه لم يزل ولا يزال، فله الأيادي على سائر خلقه والأنعام، وأما عند الباطن فاليدان المبسوطتان محمد وعلي، وهما النعمة والقدرة نعمة النبوة وقدرة الولاية، ومن ذلك قوله: (وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة) (1)، وقوله: (لا تدركه الأبصار) (2)، فالذي لا تدركه الأبصار كيف تراه الوجوه؟ والذي لا تراه الوجوه، كيف لا تدركه الأبصار؟ هذا نفي وإثبات، والنفي والإثبات لا يجتمعان.

 ومن ذلك قوله خطابا لسيد المرسلين: (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) (3) (ويطهركم تطهيرا) (4)، فالذي له ذنب من أين له طهارة؟ والممدوح في الطهارة بالصدر من أين له ذنب.

 أما قوله (يطهركم تطهيرا) فحق، لأنهم خلقوا من نور الجلال، واختصوا بالعصمة والكمال، فالمعصوم الكامل من أين له ذنب؟ أما مثل هذا في الدعوات، فمنه قول زين العابدين عليه السلام وهو سيد من عبد وابن سيد من عبد من الأولين والآخرين في دعائه: (ربي ظلمت وعصيت وتوانيت)، فإذا كان ظلوما جهولا كيف يكون سيدا معصوما، وهو سيد معصوم فكيف يكون ظلوما جهولا؟ أقول: معنى قوله عليه السلام أنه يقول: ربي إن شيعتنا لما خلقوا من فاضل طينتنا، وعجنوا بماء ولايتنا، رضونا أئمة، ورضينا بهم شيعة، يصيبهم مصابنا، وتنكبهم أوصاتنا ويحزنهم حزننا، ونحن أيضا نتألم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) القيامة: 22.

( 2) الأنعام: 103.

( 3) الفتح: 2.

( 4) الأحزاب: 33.

 

 

لتألمهم، ونطلع على أحوالهم، فهم معنا لا يفارقونا (1)، لأن مرجع العبد إلى سيده ومعوله على مولاه، فهم يهجرون من عادانا، ويجهرون بمدح من والانا.

 وصدق ما دللت عليه ما أورده ابن طاووس في كتاب مهج الدعوات، حكاية عن خليفة الله قائم آل محمد وخاتمهم ما هذا معناه، قال: ولقد سمعته سحرا بسر من رأى يدعو فيقول من خلف الحائط: اللهم أحي شيعتنا في دولتنا، وأبقهم في ملكنا ومملكتنا، وإن كان شيعتهم منهم وإليهم وعنايتهم مصروفة إليهم، فكأنه عليه السلام قال: اللهم إن شيعتنا منا ومضافين إلينا، وأنهم قد أساءوا وقصروا وأخطأوا في العمل، وإنا حبا لهم حبا منهم، قد تقبلنا عنهم ذنوبهم، وتحملنا خطاياهم، لأن معولهم علينا ورجوعهم إلينا، فصرنا لاختصاصهم بنا واتكالهم علينا كأنا نحن أصحاب الذنوب، إذ العبد مضاف إلى سيده، ومعول المماليك على مواليهم، وملاذ شيعتنا إلينا ومعولهم علينا، اللهم فاغفر لهم من الذنوب ما فعلوه اتكالا على حبنا، وطمعا في ولايتنا، وتعويلا على شفاعتنا، ولا تفضحهم بالسيئات عند أعدائنا، وولنا أمرهم في الآخرة كما وليتنا أمرهم في الدنيا، وإن أحبطت السيئات أعمالهم فتفضل موازيهم بولايتنا وارفع درجاتهم بمحبتنا، وهذا خيره كثير للمؤمن الموقن المصدق بأسرارهم (2).

 ولو لم يكن في كتابي هذا غير هذا لكفاك أن امتلأت من درر الاعتقاد كفاك، وإلا وراك، فإن الشيطان يطلع على قلب المؤمن في كل يوم 320 مرة بالوسواس والإضلال، فجعل الله شبها من نور الولاية رجوما للشياطين بعدد تلك النظرات، ليمحو من قلبه ما ران الشيطان، لأن من خالجته الشكوك في قلبه، ووطئته الشياطين بمناسمها، أيها المنكر لفضائل علي، إلى متى تلبس من الشك المنسوج على الجسد الممسوخ، والروح المفسوخ، وحتى متى كلما طبت ظنيت، وكلما بصرت عميت، كلما رويت عطشت، أما رأيت ملكا اختار عبدا من عبيده وقائمته على سره وولاه أمره، وقربه نجيا وألبسه خلعة صفاته ورفعه على سائر مخلوقاته وسلم إليه قلم العدل ودفتر البذل، وسيف القهر وزمام الأمر، وأمره على جميع مخلوقاته وإنه أعلم حيث يجعل رسالاته فقام بالسياسة والعدل والعصمة والبذل، يفعل ما يريد الرب، ويريد الرب ما يفعل، لأنه موضع أمره ويده الباسطة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) راجع بحار الأنوار: 53 / 302.

( 2) بحار الأنوار: 53 / 302.

 

 

على جميع الملائكة، لأنه يد الله وجنبه، وله التصرف المطلق، وبصره طاف في أقطار السماوات والأرض، لأنه عين الله الناظرة في عباده وبلاده، وهو في مقام الرفعة والتأييد عبد المولى ومولى، العبيد:

العقل نور وأنت معناه * والكون سر وأنت مبداه

والخلق في جمعهم إذا جمعوا * الكل عبد وأنت مولاه

أنت الولي الذي مناقبه ما لعلاها في الخلق أشباه

يا آية الله في العباد ويا * سر الذي لا إله إلا هو

كفاك فخرا وعزة وعلا * أن الورى في علاك قد تاهوا

فقال قوم بأنه بشر * وقال قوم بأنه الله

يا صاحب الحشر والحساب ومن * مولاه حكم أمر العباد ولاه

يا قاسم النار والجنان غدا * أنت ملاذ الراجي وملجاه

كيف يخاف الولي حر لظى * وليس في النار من تولاه (1)

يا منبع الأنوار يا سر المهيمن في الممالك * يا قطب دائرة الوجود وعين منبعه كذلك

والعين والسر الذي منه تلقنت الملائك * ما لاح صبح للهدى إلا وأسفر عن جمالك

يا ابن الأطايب والطواهر والفواطم والعواتك * أنت الأمان من الردى أنت النجاة من المهالك

أنت الصراط المستقيم قسيم جنات الأرائك والنار مفزعها إليك وأنت مالك أمر مالك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) أعيان الشيعة: 6 / 467.

 

 

يا من تجلى بالجمال فشق بردة كل حالك * صلى عليك الله من هاد إلى خير المسالك

والحافظ البرسي لا يخشى وأنت له هنالك (1)

وإذا كانت مناقب علي لا تحصى عددا وفضايله لا تبلغ أمدا فالسماوات تضيق عن رقمها وسجلها والبحران ينفدان بمدها، والثقلان يعجزان عن إملائها والعقول تذهل أن تدركها والجبال تأبى أن تحملها وتثقلها، وقد شهد بذلك الكتاب المنزل والنبي المرسل، وأنت بقصور الفهم ووفور الوهم تخالف الرب العلي والنبي الأمي بأذاك لمولاك، وقد أسمعك القرآن اللعن بالطعن وناداك فقال: (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله) (2) فمن أبغض عليا لفضله الذي آتاه الله فقد آذاه، ومن آذى ولي الله فعليه لعنة الله وحسبه من الخزي يوم يلقاه.

 فيا أيها الحائر المذبذب والجاهل المركب والعارف المعذب، ما لك لا تراقب الله وتتأدب، فإلى متى تتمسك بأذيال التكذيب، وكلما رد عليك مما لاق بذهنك الجامد، ورأيت ما يصدقه عقلك الفاسد، قلت هذا مقام الولي وما لا تناله أنامل الادراك من طبعك العكوس ناديت عليه بلسان التكذيب والإنكار، فيا من يقف بأبواب المعنى، من أين لك مشاهدة أنوار المعنى مما هو الفرق بين العالي والغالي، وكيف عرفت الشيعي من الموالي؟ والمحب من التالي؟ فها أنا مورد لك من الملل والنحل، فضلا يشفي شرابه العلل من العلل ويبين اختلاف الفرق ويؤمن من الغرق مما راق عذبه ورق، ويعلم به الحق من الزهق مما لا نصب بعده ولا رهق، وما أظنك بعد هذا الإطراب والإطناب والإكثار والإسهاب، إلا كارها للصواب وساريا في السراب، حتى تلاقي في التراب أبا تراب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) الغدير: 7 / 45.

( 2) الأحزاب: 57.

 

 

فصل (افتراق الأمم بعد الأنبياء)

في بيان افتراق الأمم بعد الأنبياء مما شهدت به السنة والكتاب، فمن ذاك قال الله سبحانه مخبرا عن قوم موسى: (ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) (1)، وقال تعالى حكاية عن النصارى: (وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة) (2)، وقال حكاية عن الأميين: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) (3)، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (افترقت أمة أخي موسى على سبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وافترقت أمة أخي عيسى على إحدى وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وهي التي تبعت ما أنا عليه وأهل بيتي)، وفي رواية ما عليه وأصحابي (4).

 وهذا بيان وتأكيد أن الناجي من تبع الآل لأن الآل هم الأصحاب، وليس الأصحاب هم الآل، فأين كان الآل كان الأصحاب من غير عكس، ولهذا يقال أهل الله ولا يقال أصحاب الله.

 فآل النبي صلى الله عليه وآله أصحابه وليس أصحابه آله، وفي الحديث: (أهل القرآن أهل الله وخاصته)، لأنهم حملة سره، فأين كان الأهل كانت النجاة، لأن الأهل أولى بالشرف والفضل، وأحق بالميراث، وأقرب إلى العلم، ومنهم نبع الذكر، وعنهم سمع، فالأصحاب تبع الآل لأنهم سكان السلطنة والحكم، والأصحاب سكان التبع فكيف يقتدى بالتابع ولا يقتدى بالمتبوع؟ ألا فهم الملاذ والمنجى، ونهج الهدى وجنة المأوى وسدرة المنتهى، والأصحاب قوم تبصروا بنور الآل فأبصروا، ثم أعماهم دخان الحسد فأنكروا، وإليه الإشارة بقوله: بينا أنا على الحوض إذ بملأ من أصحابي يؤخذ بهم ذات اليمين وذات الشمال مسودة وجوههم، فأناديهم: أصحابي أصحابي، فيأتي النداء من خلفهم يا محمد، إنهم ليسوا أصحابك، إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) الأعراف: 159.

( 2) الحديد: 27.

( 3) آل عمران: 144.

( 4) سنن أبي داود: ح 4597 كتاب السنة، وسنن الدارمي: ح 2406 كتاب السير.

 

 

ألا سحقا ألا سحقا (1).

 وأما الآل فهم المآل، دليله قوله: (أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا)، وهذا رمز شريف، حله ومعناه أنه لا ينجو من شدائد الأهوال، وعذاب يوم المآل، إلا من تولاهم.

 وأما قولهم عنه صلى الله عليه وآله أنه قال: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) (2)، إلا من الآل.

 إنما عنى بالأصحاب هنا أهل بيته، وإلا لزم التناقض، فكيف يكونون ضالين عن الحوض مسودة وجوههم، وكيف يكونون كالنجوم يقتدى بهم؟ وإنما قال صلى الله عليه وآله: مثل أهل بيتي في هذه الأمة مثل نجوم السماء كلما غاب نجم طلع نجم إلى يوم القيامة (3)، وإن كان أصحابه نجوما فأهل بيته شموس وأقمار، ومع وجود الشمس والقمر لا يحتاج إلى النجوم، فالنجوم أهل بيته لا أصحابه.

 وإليه الإشارة بقوله: (إنما يريد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) الحديث مجمع عليه عند أهل الإسلام، راجع: فتح الباري ح 6585، وسنن ابن ماجة: ح 4306، ومسند أحمد: ح 7933.

( 2) قال الإمام السخاوي: زعم كثير من الأئمة أنه لا أصل له. المقاصد الحسنة: 49 - 50 ح 39.

 وقال الحافظ العراقي في تخريج أحاديث مختصر المنهاج رقم 55: رواه الدارقطني في الفضائل وابن عبد البر في العلم من طريقه من حديث جابر وقال: إسناد لا تقوم به حجة - رواه البيهقي في المدخل من حديث ابن عمر وابن عباس بنحوه من وجه آخر مرسلا وقال: متنه مشهور وأسانيده ضعيفة ولم يثبت في إسناد، ورواه البزار وقال: منكر لا يصح، وقال ابن حزم: مكذوب باطل (هامش المنتخب من مسند عبد بن حميد: 251 ح 783).

 وقال محقق كنوز الحقائق: 1 / 67 ح 751: الحديث موضوع (ميزان الاعتدال: 1 / 412 رقم 1511 ولسان الميزان 2 / 488).

 وقال محقق كتاب شرح مسند أبي حنيفة: 498: هذا ليس بصحيح وتفصيله في رسالة ملحقة (بنود الأنوار) وضعفه الحافظ ابن حجر في المطالب العالية: 4 / 146 ح 4193 - 4194.

 وممن ضعفه الخفاجي والملا علي القاري وأحمد والمزني.

 أنظر: نسيم الرياض: 3 / 24 4 والتقرير والتحبير لابن أمير الحاج: 3 / 99 وجامع بيان العلم لابن عبد البر: 2 / 89.

 * هذا وروي الحديث بلفظ: (أهل بيتي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) (لسان الميزان: 1 / 141).

 وهو موافق لما روي من طرق في حديث الأمان الذي يشبه به النبي أهله بالنجوم، وأيضا له شاهد من حديث الثقلين، ولا يلزم منه الأمر بالمتناقضات لأن أهل البيت عليهم السلام عصمهم الله بآية التطهير ولم يكن بينهم اختلاف.

 (3) بحار الأنوار: 23 / 44 ح 90.

 

 

الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم) تطهيرا (1).

 فأين كان أهل البيت كانت الطهارة وإذهاب الرجس، وأين كان إذهاب الرجس كانت العصمة، وأين كانت العصمة كانت الخلافة والحكمة، وأين كانت الحكمة كان النور والرحمة، وأين كان النور والرحمة كانت الهداية والنعمة، وأين كانت الهداية والنعمة...

 وأين كان الرجس كانت الظلمة، وأين كانت الظلمة كانت الضلالة والفتنة، وإليه الإشارة بقوله: إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي حبلان متصلان، إن تمسكتم بهما لن تضلوا (2).

 فقد أوجب لأهل البيت من التشريف والتعظيم ما أوجب للكتاب الكريم، ودلنا على أن التمسك بالكتاب والعترة نجاة، فقال: عترتي ولم يقل أصحابي، فجعل مقام الآل مقام الكتاب، وقال: (إن الله خلق الخلق من أشجار شتى، وخلقني وعليا من شجرة واحدة، أنا أصلها، وعلي فرعها، وفاطمة لقاحها، والعترة الميامين الهداة أغصانها، والشيعة المخلصون أوراقها) (3) الثقلين عليه الإجماع (4).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) الأحزاب: 33.

( 2) تقدم الحديث مع مصادره.

( 3) مناقب ابن المغازلي: 75 ح 133 والفردوس: 1 / 95 ح 135، والطرائف: 1 / 158 ح 165.

( 4) قد فصلنا طرق الحديث والاحتجاج به من قبل الصحابة وأهل البيت عليهم السلام في كتاب أنواع النصوص على آل محمد صلوات الله عليهم أجمعين.

 

 

 

فصل (تعداد الفرق الإسلامية)

إذا تقرر هذا، فنقول: افترقت الأمة بعد نبيها فرقتين: علوية، وبكرية، وزيادة المذاهب تدل على زيادة الشبهات، لأن الحق لا يتكثر ولا يتغير، ومشربه صاف لا يتكدر.

 

فصل

ومع افتراقهم إما أن يكونا على الحق معا، أو على الضلال كلا، أو أحدهما محق والآخر مبطل، أما كونهما على الحق معا فممنوع أيضا، لأنهما لو كانا على الحق معا لما اختلفا ولا افترقا، ومنشأ الخلاف أن كلا منهما ادعى أنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله، فإن صدقا معا لزم كذب الرسول، وإن كذبا لزم جهل الرسول، وجهله ممتنع، فتعين صدق أحدهما وكذب الآخر والدعوى فيه، فوجب النظر فيما يتبين به الصادق من الكاذب منهما، فوجدنا لعلي عليه السلام السبق إلى الدين كرم الله وجهه، ومعناه أنه لم يسجد لصنم (1)، وفي السبق إلى الإسلام: أنت أول القوم إسلاما (2)، وفي العلم مرتبة: لو كشف الغطاء (3)، وفي الشجاعة: لا فتى إلا علي (4)، وفي الزهد: أنا كأبي الدنيا لوجهها (5)، وفي القرب والقرابة: أنت مني وأنا منك (6)، وفي النصوص: من كنت مولاه فعلي مولاه (7).

 وفي التعيين والتبيين: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه (8)، فهو سيد الموحدين، وفارس المسلمين، والعالم بغوامض الكتاب المبين، وقسيم تبعة سيد المرسلين، والواجب له الخلافة بالنص المبين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) مناقب ابن المغازلي: 177 ح 322، والطرائف: 1 / 119 ح 106.

( 2) البحار: 42 / 303 ح 4 و: 24 / 268 ح 40.

( 3) تقدم الحديث.

( 4) كنز العمال: 5 / 723 ح 14242 والطرائف: 1 / 131 ح 123.

( 5) بحار الأنوار: 32 / 250 ح 197.

( 6) تقدم الحديث.

( 7) بحار الأنوار: 37 / 180.

( 8) الطرائف: 1 / 174 ح 184.

 

 

 

فصل وجدنا للأول قوله: أقيلوني فلست بخيركم، والله ما يعلم إمامكم حين يقول أصاب أم أخطأ، وفي الشجاعة وجدناه لم يجر له حسام قط، ووجدناه في النسب تيمي، وأين تيم من هاشم، وأين مقام الدمنة من البحر، والجواهر من الصخر.

 

فصل

ووجدنا الإجماع (1) أنه لمن تبع عليا، ومن هذا الفرق والبيان إما أن يكون الحق مع الجاهل ثم يكون هو الإمام، أو يكون الحق مع العالم الحاكم وهو علي، فيكون علي هو الإمام، فلا ينجو إلا من تبع عليا، ورافق أولياءه وفارق أعداءه، وهذا مما رواه أئمة الإسلام مثل أبي عبد الله البخاري في صحيحه، وأبي داود في سننه، وأبي علي الترمذي في جامعه، وأبي حامد القزويني وابن بطة في مجالسه، واتفق الجمع على تصحيحه فصار إجماعا (2).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) المقصود به أن الخبر الذي أشار إليه في صدر الفصل: وإني تارك فيكم الثقلين، وأصحابي كالنجوم. وإنه وجد الاجماع به لمن تبع عليا.

 (2) قال جمال الدين النيسابوري في الأربعين: حديث الغدير تواتر عن أمير المؤمنين وهو متواتر عن النبي صلى الله عليه وآله (نقلا عن حاشية إحقاق الحق: 2 / 423).

 وقال في الأزهار في مناقب إمام الأبرار: وقد تواتر هذا الخبر حد التواتر (هامش مناقب ابن المغازلي: 16 ح 23 ط. طهران).

 وقال الحافظ الجزري بعد ذكر نص الغدير: هذا حديث حسن من هذا الوجه صحيح من وجوه كثيرة، تواتر عن أمير المؤمنين علي وهو متواتر أيضا عن النبي صلى الله عليه وآله رواه الجم الغفير عن الجم الغفير، ولا عبرة بمن حاول تضعيفه ممن لا اطلاع له في هذا العلم. (أسمى الناقب: 22 - 23 ح 2).

 وقال شمس الدين الذهبي: هذا الحديث متواتر (نقلا عن حاشية إحقاق الحق: 2 / 423).

 وقال السيوطي: إنه حديث متواتر (البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث: 3 / 234 ح 1576، والغدير: 1 / 300 عن الأزهار المتناثرة للسيوطي).

 وممن صرح بتواتره: المناوي في التيسير نقلا عن السيوطي، وشارح المواهب اللدنية، والمناوي في الصفوة (نظم المتناثر من الحديث المتواتر: 206 ح 232).

 

 

فصل

وقد نقل عن شعبة بن الحجاج: أن هارون كان أفضل قوم موسى، وعلي من محمد كهارون من موسى، فوجب أن يكون أفضل من جميع أمته، بهذا النص الصريح (1).

 وإليه الإشارة بقوله: (وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي) (2)، فوجب أن يكون علي خليفته في أمته، ومن نازعه مقامه فقد كفر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) كفاية الطالب: 283 الباب السبعون.

( 2) الأعراف: 142.